التضحيات التي ليست في محلها
أحمد بن سليم الحراصي
كل ما كتبته من مقالات سابقة كانت تخص ذاتك -أيها القارئ- وذات العديد من الأشخاص حول هذا العالم المجهول بخبايا الناس الخبيثة والطيبة، كل القضايا الاجتماعية التي تحدثت عنها هي قضية فرد من مجتمع، هي قضية إنسان مظلوم من مجتمع ظالم، أو سياسة مؤسسة ظالمة، أو من شخص ظالم هضم حقه، فكل ما كتبته كان يعنيكم جميعًا ظالما أو مظلوما على حد سواء.
(1)
لا يمكن أن تكون الحياة أكثر ظلما من أن تهديك شريكًا لا يستحقك ولا يستحق تضحياتك التي منحته إياها إرضاء له، ولكنها تبقى سنة الحياة، فهي تثبت لك يومًا بعد يوم أنك لم تنضج بعد؛ ولذلك تُعطيك دروسًا وعبرًا تتعلمها من هذه الأعمال التي فعلتها والتي ظننتها أنها أمرٌ حسنٌ، وطيبة قلب منك لأناس لم يستحقوا طيبتك، وهو الأمر الذي إن وقع عليك يوما من -جاحدي التضحيات- حينها يجب أن تكون صلبا وألا تنهار؛ لأنك استحققت ذلك؛ فالحياة لا تقبل اللين.
(2)
أعجبتني عبارة لا أعلم قائلها قرأتها ذات مرة مضمونة في فيديو به أنشودة جميلة، كانت العبارة (لست ممن ينتسي عهد الوفاء، أو يبيع الخل من بعد الصفاء) وكم كنت أرى هذه العبارة الرائعة وأقارنها عمَّا رأيته من خيانة الأصدقاء وبيعهم بعد الصفاء، ولا أعتقد بأن الأمر غريبٌ أو مجهولٌ لكم، فالجميع يعلم أن الخيانة هي القشة التي قصمت ظهر البعير ، بينما أنت تضحي وتعطي وتهتم وتحترم وتطيب الخواطر، هناك في الزاوية الأخرى من يستغل هذه التضحيات ويحولها إلى حرب تشتعل بينك وبينه، ونسي الأيام التي ضحيت بها بكل ما تملك لأجله، إذًا هي التضحية العمياء التي قدمتها على حساب مشاعرك، والتي الآن باتت تؤرق مضجعك.
(3)
ذات مرة سألني أحدهم: ماذا يعني أن تكتب بعد اسمك (الواعد) عند كل مقال تنزله، وعند كل برنامج تستخدمه؟
أجبته: ليس هناك سر أستطيع أن أخفيه عنك يا صديقي؛ إلا لأنني لست من أولئك الذين يبيعون أصدقاءهم، وأنني أحفظ الكلمة التي أقولها وأعتبرها دينا يجب تسديده ذات يوم، وعندما أعدك على شيء، فغالبًا ما تراني أفي به، فهل تراني استحققت لقبًا كهذا؟
قال لي: والله لأنك شخصٌ يعرف الكلمة ومعناها، وأنني لم أرَ فيك تخلفًا يومًا عن وعدك، وأنك لست ممن ينتسي عهد الوفاء، وأنك تشكر العطاء، وتجازي تضحيات الأصدقاء، وترد على ذلك الطيب بالطيب، ولست ممن يبيع أصدقاءه؛ ولذلك أرى أنه استحقاق صغير بحقك، فأنت من الأشخاص النادرين في هذا الزمن الخبيث الصل.
(4)
إنني أميل إلى الإنسان والشريك المتفهم الذي يقدر تعبك وجهدك وعرق جبينك وتضحياتك ويشكرك عليها، فكم هو سيئ أن تدرك متأخرًا أن الطريق الذي سلكته خطأ، وأن الشخص الذي اخترته وضحيت بالكثير من أجله كان مجرد خطأ أودي بك إلى المهالك، وعشت معه حياة تعيسة، ففي مجتمعنا مهما ضحيت لأجل أشخاص، وسعيت مجاملا لإرضاء الجميع فستجد هناك موقفا واحدا يمحو كل ما فعلته لأجلهم؛ فالأيام تكشف كل إنسان على حقيقته.
(5)
لا تشعر بالسوء يا صديقي عن كل ما فعلته لأجلهم؛ فأنت كل ما فعلته ليس إلا دليلا على حسن نيتك، وصفاء قلبك، ونقاء سريرتك وطيب أصلك.
فأنت تستحق أن تجد شخصًا آخر يفهمك ويناسبك ويقدر كل عمل تفعله لأجله، لا تنخدع للمظاهر، حاول ألا تجامل أحدًا على حساب رضاه، وكن دائما صلدًا كالجبل الذي لا تستطيع أن ترديه الرياح أرضًا.
في لحظة من لحظات حياتك التي عشتها، والتي ستعيشها قد تعطي قريبا لك كل ما تملك؛ فيجحد تضحياتك، وقد تفي بوعدك لصديق؛ فتنصدم بغدره، وربما تضحي لحبيب؛ فيذهب موليا لك ظهره إلى حيث إنه يشعر بالأمان مع غيرك، وفي هذه اللحظات ليتخلى عنك الجميع ليست مشكلة؛ فالجميع راحلون، ويبقى الله وحده معك يؤنس وحدتك، ولا تنسى أن تسجد له سجدة شكر على تخليصك منهم.