سماحة الشيخ أحمد الخليلي .. منك المعذرة.
حمود الحارثي
ماذا سأكتب فيك؟ وأنت أكبر من كل الكلمات وصفًا، ومعنى …
لا أخفيكم سرًا، وأنا أكمل أسبوعي الثاني، محاولًا التهيؤ للكتابة، واضعًا صورة سماحة الشيخ العالم الجليل، والعلامة بدر الدين أحمد بن حمد الخليلي أمامي، وكلما هممت بامتطاء صهوة قلمي لأنطلق في ميدان الورقة، في اللحظة الأخيرة أتوقف، ليس لشيء بقدر ما منعني استشعاري حجم المسؤولية التاريخية، وأنا أتصدر لكتابة هذا المقال، مدركًا شديد الإدراك بأن مناقب شخصية سماحة الشيخ ليس بالأمر الهين اختزالها في مقال لكاتب متواضع، والكلمات بين هارب ومعتذر، فعذرتها لسمو شأنه، ورفعة قدره، وأنا الذي كنت أطوعها كيف أشاء.
قلت في نفسي، والحديث موجه لقلمي: ماذا ستكتب في مقام بدر مكتمل، أشرقت بأنواره سلطنة عمان أرضًا وشعبا؟! ماذا ستكتب في مقام قمر يرسل ضياءه للعالم بأسره في ليالي العتمة ليهدي السبيلا؟!
أجابني: قد سبقني السابقون، وحققه المحققون، ودونه المدونون، وما أنا إلا امتدادٌ للماضين، والحاضرين، واللاحقين، من الفرسان المؤرخين، ورواد الكتابة العارفين، لعلي أبلغ الأسباب، وبين هذا وذاك، إيماني مطلقٌ بأن القادم من شغاف القلب الصغير سيحتويه بحب ذلك القلب الكبير الذي يتسع للجميع، وليتنافس المتنافسون.
لا أخفيكم سرًا بأنني بحثت كثيراً جدًا عن جديد أكتبه لعلي أبلغ المراد، فلم أجد نثرًا كان، أو شعرًا أمكنني، ومكّنني، فأعانني على بلوغ تحقيق ضالتي في الإتيان بشيء لعلي أتميز به في وصف سماحة الشيخ بدر الدين الموفق فلم أجد، ولا أخفيكم سرًا بأن التردد كان حاجزًا يحول بيني وبين قلمي خوفاً، وخجلًا من التقصير، وأنا المقصر؛ لإدراكي يقينًا بفيض علمه، ونبل مقاصده، ودماثة أخلاقه، وعظم تواضعه، وصفاء سريرته، فهو لكلمة الحق نصابها في الميزان، بل هو امتداد لصدى صوت مازال يتردد من بقايا ١٤٠٠عام مضت، لطالما جددها حديثه، ورأيناها في إطلالته، حفظ الله شيخنا الأجل الأكرم، وأعز به الإسلام، والمسلمين.
بحثت كثيراً كثيراً حد الإرهاق عن كلمات تصف التواضع، والحكمة، فلم أجد أبلغ من وقار شخصيته وصفًا، فقد تكون الأقرب لها إن حالفها الحظ، كما بحثت كثيرًا كثيرًا عن كلمات تصف سمو الأخلاق وأعلى مراتبها، فلم أجد أرق وأرقى من رقة صوته، وفصاحة لسانه، وبشاشة وجهه الذي تعلوه ابتسامته الهادئة، الصادقة، وكأنه يحملها كساعي البريد، لينثرها صدقة جارية على من حوله.
بحثت كثيرًا كثيرًا عن كلمات تصف الدبلوماسية في سيرته العطرة، وفي مقاصد حياته، فلم أجد لها أثرًا في قاموس مواقفه، فما وجدته يومًا إلا في صرامة المجاهد، الذي اتسمت مواقفه بالشجاعة المطلقة، تتجلى فيه كلمة الحق عباءة على نهج الصالحين، وما وجدته يومًا خائفًا في الله لومة لائم، وما عرفته يومًا إلا ناصرا، ومناصرًا لقضايا الأمة الإسلامية قاطبة.
لقد أرهقت الصبر بحثًا عن كلمات تصف الصبر، والجلد في حمل الأمانة، وأداء الرسالة، فلم أجد معنى أبلغ من تتبع سيرته الزكية الرضية منذ النشأة حتى تاريخ كتابة هذا المقال، فقد لا أكون مبالغًا إن وصفته بأنه نهرٌ من أنهار الجنة يتدفق حبا، وعطاء على أرض سلطنة عمان، وليس بغلو إن قلت بأنه سلسبيلٌ سرمديٌ منهمرٌ، ترتوي منه الأنفس الزاكية في هذا العالم، عذبًا زلالًا في زمن عرف بالجدب، والقحط، وشح الأمطار.
سلامٌ من الله عليكم شيخنا يوم ولدت، ويوم تبعث حيا، وسلامٌ من الله عليكم في كل موطئ قدم، وفي كل حركة، وسكنه، أطال الله في عمركم أزمنة مديدة، وأعواما سعيدة، ودمتم لنا، وللعالم أجمع شيئًا جميلًا، حبا الله به أرض سلطنة عمان لا ينتهي حتى ننتهي، ودمت للأمة الإسلامية حارسها القوي الصادق الأمين، والقمر المنير.
وسلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات من المبتدأ إلى المنتهى … مسك الختام، ومنك المعذرة.