فاقد الشي يعطيه بسخاء
بقلم : صفا بنت محمد الهنائي
أعزاءي القراء هل العنوان غريب عليكم؟ خاطئ؟ أم أنكم لم تنتبهوا له بتاتا؟
فقناعاتي و ما رأته مقلتاي جعلت مناط تكليفي(عقلي) يتفكر في عبارة يسمعها كثيرا “فاقد الشيء لا يعطيه” و لكنه قرر أن يدرسها بمفرده ، أن يحللها بمفرده، فليس كل شيء من المسلمات ، و بالفعل بدأ بتجميع القطع الصغيرة و كأنها أشبه بلعبة أو رحلة لاستكشاف المعقول أو الشبه المعقول و البحث عن حقيقة تريح هذا العقل فتعالوا نرى ماذا صنع هذا العقل اللحوح و العنيد .
بدأت رحلته مع هؤلاء الذين يطلق عليهم ” ذوي الاحتياجات الخاصة ” ” المعاقين” ، لا أدري أي مصطلح تصفهم به أنت يا من تقرأ و لكن في كلا الحالتين أتمنى أن تصغي إلي بقلب و عقل خاليان تماما من الأفكار السابقة ليس كأنه سيارة أخرجت الآن من المغسلة و لكنني أعني أن تقرأ بقلبك لا بمقلتيك فقط ، أن يكون ضميرك حاضرا قبل أذنيك، و قبل أن أكمل حديثي دعني أوضح ما أقصد ب ” الأفكار السابقة” ، الأفكار السابقة هي تلك النظرة الدونية لهؤلاء الأشخاص و أمنية عزلهم عنك فقط لأنهم “ذوي احتياجات خاصة” .
قالوا بأن: ” فاقد الشيء لا يعطيه” ، هؤلاء الأشخاص فقدوا أعينهم و لكنهم قادرون لجعلك ترى الحقيقة و تفتح عقلك و مقليتك أنت المبصر الذي ترى لآفاق لم تخطر البتة على بالك ،هؤلاء الأشخاص فقدو سمعهم و لكنهم قادرين على جعلك تسمع بقلبك ، هؤلاء الأشخاص فقدوا أطرافهم التي تحملهم من مكان لآخر و التي تجعلهم يمسكون بما حولهم من محسوسات كالألعاب و الكتب و الطعام و لكنهم بالرغم من ذلك قادرين على حملك أنت الذي تتمتع و تنعم و لله الحمد بنعمة فقدوها هم ، قادرين لإنارة الطريق لك و جعل قدميك تخطيان الدرب الصحيح..
و لكن اللحوح لم يكتف بما استنتجه و قرر أن يبحث عن قطع أخرى تكمل أحجيته و ما كان يشغله هو السؤال التالي: إن كان هؤلاء من فقدوا حواسهم التي أنا لا أستطيع العيش بدونها قادرين على العطاء ، ما بال الأصحاء لا يعطون؟
ماذا عن الوالدان؟ الأم التي تتألم و تتعب أليست قادرة لإعطاء طفلها الراحة و تنسيه ألمه بسبب مرضه ؟ الأب الذي يتصبب عرقا من تعب العمل ألم يعطك الراحة ؟ اليتيم(الرسول صلى الله عليه و سلم) الذي لم ير أباه قط و فقد حنان أمه في السادسة من عمره ألم يمنح الاخرين الحنان و السعادة ؟ ذلك الذي قذفت قنابل فوق منزله و بترت قدميه و فقد أهله و حرم من وطنه ألم يمنحك الأمل بين ثنايا ابتساماته؟
نعم هناك حالات لا تنطبق فيها مقولتي فالدكتور ليمنحك العلاج لابد من أنه درس و تعلم فالجاهل لا يمنح المعرفة و الفاقد ثقته بنفسه لا يمكن أن يعلمك كيف تثق بنفسك و الشخص الذي لا يعلم كيف يسعد نفسه و يحل مشكلته من الصعب أن يمنحك السعادة أو أن يحل مشكلتك ، و لكننا في بعض الأحيان نرغم على بلع ألمنا الذي داخلنا كما بلعنا الدواء المرير حينما كنا صغارا بتهديد و ربما ضرب من أمهاتنا، فألمنا لا يعني أن لا نعطي الأمل للآخرين أو أن لا نبتسم و لا نساعد و نهتم بغيرنا ، هناك فرق شاسع بين الإيثار و الأنانية ، بين الحسد و حب الخير للغير و التنافس.
و تذكر دائما بأن العطاء ينبع من ذاتك أي أنك تمنحه لسبب يستحق قد يكون لنيل الأجر أو لكسب محبة الناس أو لأن دعواتهم لك بالخير و التوفيق تريحك و تسعدك او لأنك تعشق التطوع و مساعدة الاخرين دون انتظار لرد الجميل ،فعطاءك ما كان ليحدث ما لم يقبل الطرف الثاني و أنت ما كنت لتفكر بالعطاء ما لم يلهمك الله . أي أن العطاء متبادل تعطي اليوم و ربما يأتي يوم أو حتى لحظة لم تتوقعها أبدا، و تثمر بذور عطاياك فتزهر رغم الألم ،و تزرع جمالا بينما تتجرع قَبحا.
كلمتي الأخيرة : حتى و إن ابتلاك الله يوما بفقد شيء أنت تتمناه هذا لا يعني أنك تملك الحق لسلبه من الآخرين أو أن من حقك أن تحسدهم على ما هم فيه ، بل يمكنك أن تصنع أفضل من ذلك ، يمكنك أن تسعد نفسك بكسب أجر من عمل بسيط جدا و أن تنسى ألمك للحظة بمنح الأمل لمن يتألم ربما اكثر منك ، وهذا لن يحدث إلا إن تذكرت بأنك لست أشقى أهل الأرض ، و لكنك ان اهتممت فقط و نظرت لألمك ، حتما لن تستطيع الشعور أو حتى رؤية ألم الآخرين .
أسأل نفسك الآن عزيزي القارئ: أترغب أن تكون إنسانا يمنح أملا رغم ألمه ؟ إن كانت الإجابة نعم فأريدك أن تتصالح مع نفسك و تطهرها من الذي يمنعها من تحقيق غايتك سواء كانت الحقد ؟أم أنك ترغب أن يردوا لك الجميل ؟الأنانية ؟ قولك بأنه في هذا الزمان البقاء للأقوى و بأن كل من حولك يسعون خلف مبتغاهم دون الاكتراث لمعاناة الآخرين ؟ أيا كان السبب تخلص منه بتصالحك مع نفسك و تذكر بأن كل ما يحصل لك هو خيرة لك لحكمة ابتغاها ربك ، و بأن سعادة الآخرين و رزقهم و توفيقهم لا يؤثر مطلقا في سعادتك و رزقك و توفيقك ، فما كتبه الله لك سيأتيك في نهاية المطاف إن كان مقدر و مكتوب لك …
و الآن دعونا نبتسم رغم آلامنا لعل ابتسامتنا تمنح أملا لمن حولنا ففاقد الشيء يعطيه و بسخاء أيضا…