الوجه الآخر
الباحثة الإعلامية: نانسي نبيل فودة
يعيش الإنسان تحت الكثير من المواقف والظروف التي تواجه رحلة حياته، فهو يحاول التأقلم والتعايش في ظل العديد من الاختبارات والعراقيل التي يواجهها والتي تفرض عليه إما بشكل مفاجئ أو من خلال تبعات لأحداث سابقة، فالحياة تُعتبر المُعلِّم الأكبر لنا، نستفيد ونكتسب منها الكثير من الخبرات وكياسة التصرف والرأي، فهي تُعلمنا كيف نفرح ومتى نحزن وكيف نحمي أنفسنا وكيف نتغلب على مشاكلنا وكيف نحقق أحلامنا وكيف نصر على النجاح والمثابرة، فهي دروس نتعلمها ونكتسبها من مدرسة الواقع التي نعيش فيها.
فعندما يقع الإنسان تحت ظروف صعبة يُحاول الإنسان أن لا يقع تحت طائلة الفشل أو الاستسلام فيحاول التأقلم أولًا حتى يستطيع التفكير، ثم المواجهة لمحاولة إيجاد الحلول المختلفة للمشكلة، فالقوة والشجاعة اللتين بداخله، واللتان لم يدركهن في يومٍ ما أنه يملك شخصية داخلية خرجت بمجرد وجود المشكلة التي واجهته مما وضعته تحت الإصرار التام أنه يستطيع التغلب عليها والخروج منها بقوة ذات ثقة تامة برب العالمين ثم بنفسه، فوجود المحن والظروف دائمًا تصنع المستحيل، وفي هذه المحن والظروف تظهر الكثير من الوجوه الثابتة والمتغيرة التي تحيط بالفرد أثناء هذا الاختبار، فمنها وجوه أناس يرتدون قناع اللطف والدعم ويتظاهرون باللين والسماحة والعلم؛ كي يصلوا إلى أهدافهم مهما كان الثمن والأذى اللذين تسببوا فيهن. ولكن مثل هذه المواقف هي من أسقطت عنهم أقنعتهم ليظهروا النقيض التام فهم يتلونون بهذه الأقنعة من وقت لآخر، حتى تأتي المواقف التي تسقط عنهم أقنعتهم وتظهر حقيقتهم التي أخفوها تحت هذا القناع.
وعلى النقيض أيضًا، فهناك من يتصف بحدة الكلام وصلابة الرأي ولكن عند وجود المواقف يتحول إلى الوجه الآخر. الداعم والمخلص قولًا وفعلًا لا يغيره صعوبة المشكلة أو حدة الموقف؛ فقناع الإخلاص قد أظهرته شدائد الموقف وحكمة التعامل مع المصاعب والمشكلات.
أما عن الوجه الثابت، فهذا يتميز بثبات موقفه الدائم أمامك وخلفك حيث يتميز بالدعم والوفاء والإخلاص لك وتفانيه في الوقوف إلى جانبك والتي عجزت الحياة عن تغييره أو أن تلوث نقاء أخلاقه وضميره، فهو ثابت على مبدأ واحد ووجه واحد وقناعة واحدة، حيث يكون بمثابة الأخ والأخت اللذان أنجبتهما الحياة في ظل الظروف والمواقف الصعبة.
أما على النقيض الآخر للوجه الثابت، فهو الشخص الكاره للغير، لا يحب الخير لأحد ولا يحب السعي أبدًا للمساعدة أو الوقوف بجانب من حوله، فهي طبيعة زرعها لنفسه أسقطته في البداية من أعين من حوله ووضع نفسه في بؤرة إنسان يملؤه الحقد والكراهية للغير وكل من يحيط به، فهو لا يحب المساعدة لأحد ولا يطلب المساعدة من أحد فهو يعلم مقدار كرهه للغير ويعلم معرفة الغير به.
فكل ما يحدث من اختبارات حياتية للبشر يكون بأمر الله عز وجل فله حكمة في ذلك حتى يختبر قوة إيمان وصبر الفرد ، وأن يجعله يُكثر التفكير والتأمل، ثم يكشف له حقيقة الناس من حوله من خلال سقوط أقنعتهم وظهور حقيقتهم أو ثبات مواقفهم سواء الإيجابية أو السلبية في هذه الرحلة الحياتية المتغيرة.