العربية أم اللغات
غصن بن هلال العبري
في حديث سمر جمعنا بأحد المجتهدين في البحوث ولا سيما منها ما يتعلق بالعقيدة والسيرة النبوية واللغة العربية ، وقد جرى منه -جزاه الله خيرا- حديث عن نشأة اللغات وأهميتها للخطاب والتواصل معرجا على نشأة اللغة العربية بكونها إحدى اللغات، وما فهمته منه أنه لا يجزم بأن اللغة العربية من اللغات القديمة على الأرض
معتبرا أن لغات أخرى كالآرامية وغيرها أقدم من العربية، وأن الإنسان الأول ربما يكون قد تكلم أو تواصل بها قبل العربية.
ولا أخفي أحدا أنني أصدم مع كل مرة أسمع مثل ذلك القول
لما ترسخ عندي من خلال فهمي النصوص القرآنية قبل خلق آدم عليه السلام وبعد خلقه وإعداده من الخالق عز وجل لعمارة الأرض ونزوله للأرض أن
اللغة العربية هي أم اللغات وما يتحدثه الناس اليوم من لغات أخرى قد تولدت منها.
وخلال الحديث استشهد بأن الرسل بالرسالات السابقة كانت بلغة القوم المرسل إليهم الرسل، ولم يكونوا يتكلمون العربية؛
وذلك ما عزز عندي أن تلكم اللغات جاءت من العربية وكون الرسالة كانت خاصة بهم فقد جاءت بلغتهم في حين نزلت الرسالة الخاتمة باللغة العربية؛ لأنها رسالة عالمية، ولأن أصل لغة البشر هي العربية، والقول بأن هناك لغة سابقة على العربية قول مردود؛ إذ لا يمكن لآدم عليه السلام وهو أبو البشرية كافة إلا أن يكون تكلم العربية؛ لأن القرآن الكريم وهو كلام الله قرينة تدل على ذلك، فقد كان آدم عليه السلام قد تلقى من ربه كلمات.
وأما ما يروجه الأعداء للتقليل من شأن العرب والمسلمين ، وأضحى يردده بعضهم مفتتنا بكلامهم المزخرف بما يسمى “البحوث” فذلك استكثار أن يستأثر العرب بشرف حمل الهداية للبشرية، والمصيبة الأكبر أن من بين المسلمين، وبعض العرب منهم(لا أقصد محدثنا بالطبع) من يقول: إن العرب ليسوا جنسا، وإنما يسمون عربا؛ لأنهم تكلموا العربية، وأن كل من يتكلم العربية فهو عربي؛ وذلك لإخراج العرب من شرف كون القرآن نزل عليهم وبلغتهم، مما يتوجب على المتعلمين والمثقفين من العرب أن يتنبهوا إلى خطورة الانسياق وراء كل بحث أو اكتشاف، فنحن عارفون من أين أتينا، وبما نحن فيه، وإلى أين سننتهي؟ ولسنا كمجهولي النسب يبحثون عن أصولهم، تراهم يتخبطون، كلما وجدوا أثرا قالوا من هنا قد بدأ الإنسان، حتى يجدوا أثرا آخر يدحض ما ظنوه سابقا.
وقد قالوا بتطور الإنسان
عن قردة، في حين أن القرآن الكريم يحدثنا عن القردة والخنازير بقوله (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ). (المائدة: الآية 60).
وقالوا: إن الإنسان الأول لم يكن على مقدرة على التعبير والتواصل، والحق سبحانه يقول:( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (البقرة: الآية 31) .
وللإنسان أن يعجب كيف أن يكون الإنسان على ذلك النحو من محو الذاكرة وهو الذي قد أعده الله وزوده بكل المقومات لعمارة هذه الأرض ، ذلك هو التخبط الذي يشطح بتفكير الراغبين في طمس الحقائق
وأولهم الماسونيون الذين من منهجهم الهدم وشعارهم البناء.
وخلاصة ما أريد قوله في هذه العجالة هو التنبه من المساس
بالثوابت للأمة وأولها اللغة التي شرفها الله بأن جعلها وعاء لكتابه العزيز ، وأن يتم الربط بين قديم المعاني وحديثها، ويتم تسخيرها لفهم العقيدة فيما تسخر العلوم والفنون والآداب لها بأسلوب بعيد عن التعقيد، وأول ما يجب عمله إنشاء مجمع لغوي على مستوى العالم العربي، والقيام بترجمة كل ما هو مفيد من العلوم .
ثم يتم تعريب كل المناهج التعليمية والبحثية والتعاملات اليومية، مع إبقاء ما هو ضروري للتواصل مع العالم من اللغات .
ولئن كان ذلك يتطلب أوضاعا مواتية، فلن يكون هناك وقت أفضل من هذه الحقبة التي يتحول العالم فيها إلى أقطاب متعددة، فلتغتنم أمتنا ذلك
عسى أن تنفك من قبضة طغاة الأرض وأعوان الشيطان الرجيم.