من ذاكرتي الوطنية، أزمة جائحة كورونا (كوفيد١٩)، وآلية التعامل معها. (الجزء الأول)
حمود الحارثي
من المعلوم لدى الجميع، أن هذه الجائحة الوبائية قد ظهرت في منطقة ووهان بجمهورية الصين في أواخر عام ٢٠١٩م، ثم اجتاحت جميع دول العالم دون استثناء.
وكما هو معلوم بأن أول حالة إصابة مؤكدة تم رصدها في سلطنة عمان كانت في شهر فبراير من عام ٢٠٢٠م، باعتبارها حالة قادمة من الخارج.
في حينها لم يكن بالأمر المقلق، حيث تم التعامل معها بواسطة الحجر المنزلي حسب البروتوكول الطبي في ذلك الحين، مع وضع الحالة في قائمة التقصي الوبائي، وتحت المراقبة.
ولكن ما لا يعلمه الكثيرون، أن هذا الملف ما لبث أن تصدّر جميع الملفات العالمية والإقليمية والوطنية ذات الأولوية، والأهمية القصوى على طاولة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – وهذا كان قبل وصول الجائحة لسلطنة عمان كونها تلامس حياة الإنسان العماني الحاضر في قلب جلالته – أعزه الله – في المقام الأول.
ما لا يعلمه الكثيرون، أن مع بداية انتشار هذا الوباء عالمياً بداية من جمهورية الصين، انطلقت جهود وزارة الصحة الموقرة، مستتفرة كافة إمكانياتها، وطواقمها، حيث بدأت الاستعدادات، ووضع الخطط والاستراتيجيات والسيناريوهات، قصيرة، وطويلة الأمد وتهيئة الكوادر الإدارية والطبية، والطبية المساعدة علمياً، وعملياً، ونفسياً، كذلك تجهيز المؤسسات الصحية بمختلف مستوياتها كما هو الحال بلا شك في مختلف دول العالم، مع وضع مقترحات، وخيارات، وآليات للتعامل معها على طاولة النقاش، والمتابعة، والبحث، والتحليل للتصدي لها، والحد من انتشارها، وتجنب آثارها.
فكان أول القرارات تشكيل فِرق عمل في طليعتها فِرق التقصي الوبائي مع الأخذ في الاعتبار عاملين أساسيين لعملية انتشار هذا الفيروس هما:
الأول: قدوم المصاب من خارج السلطنة وهذا أمر يمكن التعامل معه من خلال إجراءات الحجر (منزلي/ مؤسسي).
الثاني: انتشار الفيروس عن طريق النقل المجتمعي وهو الأخطر حتى مع تشكيل فرق التقصي الوبائي وإجراءات الحجر والفحص المخبري للكشف عنه، وهذا كان الخيار الأمثل في ذلك الوقت.
ولكن مع بدء ظهور حالات النقل المجتمعي تغيرت معها الخطة فكان أمام المعنيين بالأمر خياران أحلاهما مرّ تمثلا في:
١. ترك الوباء ينتشر لينتهي في أقرب وقت حسب المعطيات والدراسات في حينها، بما يسمى بمثلث الهرم، وهذا قرار قد اتخذه عدد من دول العالم في ذلك الوقت، والذي فيما بعد أدى إلى نتائج مؤسفة، فقد حصد أرواح مئات الآلاف من مواطنيهم، بالإضافة إلى انهيار القطاع الصحي، وفقد قدرته على التعامل مع أعداد المصابين مما تتسبب في كارثة إنسانية في هذه الدول، وليست بخافية على الجميع، ممن اتخذوا هذا القرار غير المدروس.
٢. وهو الخيار الأصعب في ظل المتوفر من معلومات وحقائق، وأبعاد صحية وإقتصادية وسياسية وأمنية، قد ترهق الدولة وكوادرها ومؤسساتها الصحية،د وأنشطتها الاقتصادية، وتستنزف مواردها المالية … الخ، والتي كان من أهم أهدافها تخفيف وطأة الجائحة وسحبها مع السيطرة التامة عليها لتمتد لفترة طويلة تستطيع المؤسسات الصحية، والكوادر الطبية التعامل معها تدريجياً وهذا ما انتهجته سلطنة عمان، كونها تدرك بأن المواطن العماني هو الثروة الحقيقة، والحفاظ على حياته هي الأولوية عند وضع الخطط والاستراتيجيات الوطنية في مختلف المجالات، ناهيكم عن خطة التصدي لمثل هذه الجائحة الوبائية العالمية في ظل ظروف انتشارها الغامضة.
ما لا يعلمه الكثيرون، أن معالي وزير الصحة الموقر، وأصحاب السعادة وكلاء الوزارة كانوا يجوبون المحافظات عبر مختلف وسائل النقل ليلتقوا بمديري عموم المحافظات والكوادر الإدارية والطبية، والطبية المساعدة، للوقوف على الاستعدادات، ووضع الخطط والآليات المناسبة حسب معطيات كل مرحلة، والاطلاع على مدى جاهزية المؤسسات الصحية، وهذا الأمر قد تم، وما زالت الجائحة لم تصل بعد لسلطنة عمان.
ما لا يعلمه الكثيرون، أنه في كل صباح عندما يباشر موظفو وزارة الصحة العمل، ويفتحوا أجهزة الحواسيب يجدون معالي الوزير الموقر قد سبقهم إلى مكتبه مرسلاً لهم رسالة شكر وتقدير، مشفوعة بنصائح وتوصيات، وإرشادات تحمل في طياتها توجيهات مسؤول حكومي رفيع، وكلمات بمعاني أبوية تشد من أزرهم، على الرغم من أن جميعهم بلا شك مدركون تمام الإدراك حجم المسؤولية الوطنية الملقاه على عاتقهم تجاه وطنهم، وهذا ما أثبته الواقع ودوّنته الحقائق عبر سجلاتها.
فكيف كان لهذا القطاع أن يصمد على ما يربو من ثلاثة أعوام وبنفس القوة والمهنية لولا هذا الدعم النفسي والمعنوي الذي بذله معاليه تواصلاً واتصالاً مع موظفي الوزارة، بمختلف مجالاته، ومستوياتهم الوظيفية والمهنية، المقرون بالدعم اللوجستي بلا كلل أو ملل، وكذا كان الحال مع أصحاب السعادة الوكلاء، ومديري عموم المحافظات.
ما لم يدركه الكثيرون، حجم تلك الجهود المخلصة، والتضحيات الجسيمة التي قدمتها الطواقم الإدارية والطبية، والطبية المساعدة على امتداد سنوات هذه الأزمة، مع الأخذ في الإعتبار، أن حالهم كحال أي مواطن آخر، لديهم عائلات، وأطفال ينتظرون عودتهم، ومعانقتهم بعد يوم عمل شاق ومرهق، وأم وأب ينتظران قبلة السلام على الرأس كما جرت العادة، ولكنهم كانوا الأبعد الأقرب، والأقرب الأبعد من كل ذلك، فأيّ تضحية وأي حسّ وطني حملوه في تحمل هذه المسؤولية الوطنية، بكل أمانة وإخلاص وتفانٍ، وأيّ عبارات الشكر والثناء يمكن أن تقال في حقهم.
…. يتبع