من حيث انتهى الآخرون
د. إنعام بنت محمد المقيمية
تواجه تربية ورعاية الموهوبين تحديات كثيرة، بدءاً بأليات الكشف والمناهج وطرق التدريس، والاستراتيجيات التي تعزز تلبية حاجات هذه الفئة الخاصة ضمن بيئة دامجة، ومن هذا المنطلق كانت انطلاقه مؤتمر “تربية ورعاية الموهوبين ضمن التربية الخاصة- تحديات وتجارب” يومي 27-28 مايو 2022 عبر تطبيق زوم، برعاية كلية التربية في جامعة العلوم والآداب اللبنانية، والذي تضمّن معارف وخبرات خليجية وعربية وعالمية لباحثين وممارسين في مختلف المؤسسات التعليمية والتربوية في مجال هذه الفئة الخاصة.
وفي حين تشهد السلطنة إطلاق مشروع “ثروة” في حليته الجديدة، والذي يهدف إلى الكشف عن الطلبة الموهوبين المقيدين في الصف السادس لهذا العام الدراسي (2022/ 2021) والبالغ عددهم (812) طالب وطالبة في (36) مدرسة، أنقل مختصر المعارف والخبرات للتربويين والمهتمين في مجال الموهبة والإبداع ما تعلمته واستفدتُ منه خلال حضوري للمؤتمر، وكما قيل لا تخترع العجلة، بل ابدأ من حيث انتهى الآخرون.
فلقد أصبحت رعاية الموهوبين من الدلائل الهامّة على تقدم المجتمع ونضجه وتعكس مدى وعيه بالطاقات الموجودة لديه ومدى حرصه على الانتفاع بها، ويقاس تقدمها ورقيّها بما تقوم به من اكتشاف للموهوبين وما تقدمه لهم من الرعاية المتمثلة في الرعاية التربوية والنفسية والاجتماعية، وحُسن توجيه هذه الطاقات واستثمارها.
حيث إن الاهتمام بالموهوبين ليس ترفاً، ولا مباهاة، بقدر ما هو واجب وتكليف برعاية ثروة بشرية تحتاجها المجتمعات لبناء نفسها والنهوض بها.
فالموهوب يحتاج لدعم وتشجيع ورعاية من قِبل الآباء والمدرّسين، فقد يعجب الأب من ترشيح ابنه، وقد يتعرف المدرس على الطالب الموهوب كفرد دون علمهم بمطالب نموه وحاجاته، مما يعوق تقدم الموهوب إلى الوصول للمستوى المطلوب في الأداء، وقد يصاب المدرس بالاحتراق النفسي وخروجه من برامج الموهوبين لعدم وعيه بالتعامل مع الموهوبين، لذا لا بدّ من نشر الوعي بين فئات المجتمع كأول مرحلة للاهتمام بالموهوبين كفئة خاصة، فهم يحتاجون لخدمات إرشادية متنوعة، ولا يعني تقديم خدمات إرشادية لهم أنهم أفضل من الآخرين، بل يحتاجون لتلك الخدمات لأن لديهم طاقات وإمكانيات وأفكار أكثر من غيرهم، ومختلفة عنهم، لذا لا بد من التعرف عليها.
كما ركّز الباحثون في المؤتمر على أهمية مصداقية الكشف عن الموهوبين والتشخيص الدقيق دون تدخّل بعض أصحاب النفوذ والسلطات العليا بإضافة أبنائهم الذين لا يحملون سِمات الموهوبين لبرامج الموهوبين، ودون أن يخضعوا للمقاييس والاختبارات.
وبما أن الاهتمام بهذه الفئة هو حتمية حضارية تفرضها التحديات العلمية والتكنولوجيّة المعاصرة، حيث تمثل رعايتهم مسألة حساسة سواء تعلق ذلك بالفرد أم بالمجتمع، حيث يمثّل هؤلاء عنصراً مهماً للمجتمع خصوصاً إذا تم التكفل بهم وتلبية احتياجاتهم وحلّ مشكلاتهم لتنمية وتطوير قدراتهم الفائقة وتوظيفها فيما يخدم ويسهم في تنميتهم.
ففي إحدى الدراسات العالمية وجد أن المبلغ المكلف لبرنامج لموهوب، يرجع عائده بأضعاف، يعني أن كل (1) دولار ينفق على الموهوب، وعند إبداعه يكون العائد (32000) دولار. ومنه لا بد من أن يكون لكل طالب موهوب بروفايل خاص منسجم مع موهبته، قادر على تحديد الخدمات التي تناسب قدراته وحاجاته، وتساعده في زيادة مسؤوليته عن تعلمه، مع توفير الحوافز المادية والمعنوية ووجود جهة رقابية لتوفير الكفايات في ميدان تربية الموهوبين وضمن استمراريتها وتطورها. فالميدان العربي بشكل عام والمحلي بشكل خاص مازالت البحوث والدراسات ضعيفة ومواضيعها مكررة ولا تسهم في تطوير الميدان.
ومن هذا المنبر أدعو التربويين للاهتمام بالاطّلاع والتعرف على الموهوبين والبحث المستمر عن كل ما يخص هذه الفئة من بحوث ودراسات جديدة، والمشاركة في الندوات والمحاضرات والتفاعل مع الجهود العلمية العالمية لبناء خطط لازمة لتطوير ميدان تربية الموهوبين، وأخصّ بالذِّكر الوزارات الحاضنة للموهوبين أن تحتوي الشغوفين في هذا المجال، والمختصين من أصحاب الشهادات العليا في مجال الموهبة للاستفادة من إثرائهم المعرفي بعيداً عن الدغمانية.
ومن النقاط المثرية في المؤتمر طرح نجاح تجربة التعلم عن بعد للطلاب الموهوبين خلال جائحة كورونا، حيث أن كل موهوب يمكنه أن يأخذ مقررات متقدمة تناسب قدراته ويمكن الانتقال بين البرامج بكل سهولة ومرونة.
ولقد خضتُ التجربة شخصياً من خلال تقديم برنامج إرشادي في رعاية الموهوبين نفسياً واجتماعياً، وكان له بصمته ونجاحه، وسأذكر تجربتي في المؤتمر الدولي الثالث للإرشاد النفسي الذي تنظمه جامعة السلطان قابوس بإذن الله، حيث ما زال جانب الرعاية النفسية لم يأخذ حقه في رعاية الموهوبين.
فعلى هامش توصيات المؤتمر: الاهتمام بالبرامج الإرشادية وتكثيف البحوث والدراسات للتعرف على أنواع الضغوط والأزمات التي يمر بها الموهوبون والتعرف على أساليب مواجهتها.
ختاماً:
هذه بعضٌ من خبرات ما انتهى إليه الآخرون في تربية ورعاية الموهوبين، ونحن هنا لنتعلم العلوم، والعالَم هو معلمنا.
دمتم بود.