2024
Adsense
القصص والروايات

المُخفَنْعِل وفضفضة من المدرسة

خليفة السعيدي
(1)

وأنا أراقب بلأمس على طلاب الحادي عشر الفترة الثانية في الساعة الحادي عشرة صباحاً بعد أن أنهوا اختبار الفترة الأولى
أدركت أن التعب بادٍ عليهم وأن الشغف لديهم لتلقي الاختبار والخوف الطبيعي
ما قبل الاختبار من سرعان نبضات القلب والتوتر وارتجاف اليد أحياناً غير واضح عليهم، شعرت باللامبالاة الصارخة من قبلهم وكأن واحد منهم يقول : سأكتب أي شيء حتى نغادر،
هيا وزِّع علينا الاختبار أيها السجّان وكفى …عندها أدركت أن الجوع قد أخذ مبلغه منهم؛ لأن مقصف المدرسة الذي يشتري منه الطلاب مغلق ، فلماذا لا يتم توزيع وجبات خفيفة على الطلاب ؟؟ ليستعيدوا حيويتهم ،وليزداد نشاطهم وليقبلوا على الاختبار بنفسٍ تواقةٌ للحل ، أقل القليل أن يتم توفير خمس تمرات لكل طالب منهم مع قنينة ماء فنحن نتعامل مع بشر ليس مع ربورتات متنقلة ….

(2)
العامل حسين ، كبير العمال لدينا بالمدرسة وقائدهم والمتحدث بالنيابة عنهم ، هادئ القسمات ، مكتنز الجسم قصير ، طلق الوجه ، أقام الدنيا وأقعدها ذات صباح لم يبق أحدٌ في المدرسة لم يخبره بمشكلته العويصة وكنت منهم بالطبع ، ما أن دخلت إلى المدرسة حتى بادرني ، (أرباب أنا في مشّكل كبير ) فهمت منه أنه ذهب إلى البنك ليسحب مبلغاً من المال ، وعندما غادر آلة السحب سقطت منه مائة ريال ولم يشعر بذلك وعندما عاد إلى نفس المكان ليبحث عن المبلغ لم يجده ولكنه وجد شخص أعطاه رقم هاتف الرجل الذي أخذ المبلغ بنية أن يُعيده إلى صاحبه ، ركب العامل حسين (تاكسي)
وهو حزين مهموم، عندها اتصل بصاحب الرقم الذي لديه المبلغ عدة مرات ولكنه خارج التغطية، واسيته واتصلت بالرقم عدة مرات ولكنه خارج التغطية وذهبت إلى مكتبي ، وبعد كل عشر دقائق كان يأتيني ويتردد على مكتبي لأتصل بالرقم مرة أخرى ، إلى أن هلّت أساريره بعد أن رد صاحب الرقم على الهاتف ووعدنا بأن يُرجع المبلغ إليه ، منذ ذلك اليوم عندما يراني يبتسم وهو يقول شكراً أرباب …
ليست هذهِ المشكلة التي يمر بها العامل حسين وأمثاله من العمال وحدها، ولكن معظم العمال الذين تتعاقد معهم وزارة التربية لتنظيف هم تابعين لشركات، تتأخر هذهِ الشركات في صرف مرتباتهم الزهيدة ، ويبقون في عوز وفاقة إلى أن يأتيهم الفرج …

(3)
بعد أن يقف شعر رأسك ويرتفع ضغط دمك ، ويبحُ صوتك بعد أن تُدرِّس الطلاب حصتين متتاليتين تعود إلى غرفة المعلميين للراحة فتجد أمامك معلم الأحياء ( أبا عبدالرحمن ) .. أبو عبدالرحمن متحدث لبق باللهجة الباكستانية المعربة
يباغتك بكلمة ( أرببببباب ) بنكهة صوته
الرنانة وتعابير وجهه المرحة فتأخذك إلى عالم من الضحك والدعابة تنسيك ما لقيته من تعب وكدر ، فلولا هؤلاء الأشخاص في بيئة العمل لَمَا تستقيم الحياة فهم يضفون عليها
روحًا من الدعابة وجواً من المرح، هم عقار المورفين الذي يخدرك من الهم وهرمون السيروتنين الذي ينتزع منك كل الطاقات السلبية، إنهم كبسولة لتحسين الحالة المزاجية، فما أحوجنا لوجود أمثال هؤلاء في بيئات العمل،
نعود إلى أبي عبدالرحمن وإتقانه للهجة الباكستانية المعربة وحلمه للسفر إلى (فاكستان) بطريقة نطقه ، فهو يستطيع أن يسرد لك قصصه ويومياته بهذهِ اللهجة وأنت تستمع إليه بنوبة هستيرية من الضحك وهو يقول (أربااااااب أنت ليش فقر (فكر) زيادة).

(4)
حدث وأن اكتشفت بعد فوات الآوان
وأنت ذاهب إلى الدوام أو محل تجاري
في عجلة من أمرك (ولا بارك الله في العجلة التي هي بالطبع من الشيطان التي تضعك في مثل هذهِ المواقف التي تُبلد نفسك فيها) أنك قد ارتديت نعلين مختلفين وبعضهم لا ينتبه لذلك إلا بعد أن تنهشه عيون المارة ، إنه حرج ما بعده حرج ، بالمناسبة ماذا نسمي الشخص الذي يلبس نعلين من صنفين مختلفين ؟؟ اسمع للقصة التالية !!
(دخل رجل على أبي حاتم السجستاني وهو عالم لغة من البصرة ،فقال له : يا أبا حاتم ما تسمي العرب الرجل إذا كان في إحدى رجليه خف وفي الأخرى نعل ؟
قال : لا أدري
قال : صدقت لأن فوق كل ذي علم عليما… يقال له مُخفَنْعِل وهذا دمج لكلمتي خف ونعل، فضحك أبو حاتم حتى شرق بريقه فاضحك أيها
القارئ العزيز وأنت تتذكر الآن أنك
اخفنعلت في يوم من الأيام وللذين لم
يخفنعلوا نقول لهم احذروا أن تكونوا من المخفنعلين في المستقبل.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights