الأمن النفسي ومسؤولية الاعتراف بالخطأ
سعود حارب الغافري
لقد خلق الله الكون والحياة والإنسان في نظام، وحدد سنن وقوانين الكون والحياة والمنهج الذي يجب أن يسير عليه الإنسان؛ لتتوافق حركته في الحياة مع سنن وقوانين الكون. إلا أن طبيعة الإنسان تجعله عرضة للوقوع في الخطأ بالخروج عن ذلك المنهج، فقد جاء في الحديث: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، والأخطاء دون اتباعها بالاعتراف والإصلاح تؤدي إلى فساد الكون، قال تعالى:{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِی ٱلنَّاسِ…} (من الآية ٤١ سورة الروم) ، والله تعالى لا يحب الفساد، ولا يقبل المفسدين، فقال:{…وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادࣰاۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ} (من الآية ٦٤ سورة المائدة) . ومع ذلك نجد أن بعض الناس يصرون على عدم تحمل مسؤولية الاعتراف بالخطأ، بل وينصرفون عن كل ما قد يذكرهم بذلك الخطأ، فتظهر أشكال من ذلك السلوك، كعزوف بعض الناس عن المساجد والمحاضرات الدينية، وربما النعاس عند حضور خطبة الجمعة والتبريرات التي يقدمها غير الملتزمين دينياً لأفعالهم المنكرة، فما تفسير ذلك؟
يتعلق سلوك عدم الاعتراف بالخطأ بمحاولة الشخص الحفاظ على أمنه النفسي الحالي، من خلال أشكال السلوك سالفة الذكر وغيرها، والأمن النفسي كما تعرفه بشرى الزهراني هو: “الشعور بإشباع الحاجات والاستقلالية، وتدني مستوى القلق من خلال تقبل الذات والآخرين” (الزهراني، ٢٠٢٢، ١٠٦)، فالإنسان بحاجة للسكن، والأكل، والأمن من الناس، وظروف الحياة، والتقدير من الآخرين، والانتماء لجماعة، وتحقيق ذاته، وحينما يُذكَّر المقترض بالربا لبناء مسكن لأسرته بذنبه مثلاً، فإنه يتذكر بأنه باعترافه بخطئه سيصبح مسؤولاً عن تصحيح خطأه وما يترتب على ذلك من زعزعة استقراره الشخصي والأسري الحالي، مما قد يدفعه ذلك إلى تبرير اقتراضه الربوي حفاظًا على استقراره الحالي، أي أمنه النفسي الحالي، قال تعالى:{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (سورة البقرة، الآية ٢٠).
ومن الحلول والوقاية للأجيال المستقبلية، أن ينشأ ويطبَّع أفراد المجتمع على كون الله تعالى هو مصدر الأمن النفسي؛ حتى يصبح لديهم يقينًا يدفع حالة الضعف النفسي التي قد تجعلهم يتخلون عن مسؤوليتهم عن الاعتراف بالخطأ، وهذا الدور يقع على المربين والمعلمين والدعاة والمصلحين والمؤسسات التي يتبعون لها، وكذلك تنمية الخشية من الله تعالى لدى أفراد المجتمع في مقابل الخشية من الناس، ومن الخوف والقلق على توفير احتياجاتهم الإنسانية لتعزيز الأمن النفسي، حيث أن عبادة ذكر الله تعالى قد تساهم في تنمية تلك الخشية، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل} [سورة آل عمران، الآية 173]، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [سورة الرعد 28] .