قبل الأخيرة
عبدالله بن حمدان الفارسي
رسالتك قبل الأخيرة ما زالت ممددة في أدراج الزمن، مسترخية على وتر الوجع، لم تغادر جدران غرفتك القديمة، أبت الرحيل إلى مضجعي حتى لا تؤرق مدمعي.
كيف راقت لك تفاصيل أحلامك دون تواجدي؟ كيف تنسجين من الحرف مشهد الوداع؟ ليس غرورًا إن قلت بأن المشهد حتمًا سيكون ضبابيا، حين يخلو من لمساتي وآهاتي، وأنت تعلمين علم اليقين ذلك، تلك الرسالة لا زالت تئن من قسوة محتواها، هي حبلى بذنوب التكبر، فقد بكت وتباكت معها حروف الهجاء وأبجديات الرثاء، لقد ضجت الأدراج صخبًا من وجعها، وتناثرت المفردات بالرغم من أغلال التعسف التي تكبلها، من نزف المشاعر تحتضر صمتًا بلا شكوى، وتتنهد هيجان البراكين وسط صعيق قاسٍ، ليتك لم تكتبيها، وليت قلمك توعك جفافًا حينها، وليتها غادرت مدينة الغضب الصاخب فيك، لم يكن لي ذنب في عجزي حين عشقتك، ولم يكن لك سلطة على عنفوانك وجبروت عنادك.
ستظل قابعة فيَّ ذكريات ما قبل الرسالة، هناك على ضفاف الشواطئ الحزينة كنت أسند فرحي على وسادة الأمل المغدور، رسالتك قبل الأخيرة امتداد لحكايات ألف ليلة إلا ليلة، بدايتها نهاية الرواية، ونهايتها حرف ينتظر البداية، تلك الرسالة الميتمة تختزن أسرارًا غير قابلة للقراءة، وآهات تأبى البوح عنها، كان حلمًا من وحي الخيال، ينسج خيوطًا واهنة، لقد عبث الكبرياء فيك بتلك الكلمات التي احتوتها رسالتك قبل الأخيرة، مأساوية لحظات الفراق العشوائي، عناد يمطر مشاعر قاحلة، جفاف عاطفي تمكن من قلبك، الآن وقد استرخت العاطفة على جمر النهاية، لم يبقَ منها سوى رماد تحتضنه أكناف الندم فيك، رسالتك الأخيرة سيدتي لفظت بهجتها وفقدت رونق الحياة، لم تعد تقوى على تضميد ما خلفته الرسالة قبل الأخيرة، لا تنتظري على قارعة الزمن عودة مشاعري، فكل ما فيَّ عاجز عن العودة، اتكاءة وقتية على عكازة الحزن لا تقوّم المكسور، عراك ما بين الصمت والصمت يعتصر عقلي وقلبي في آن واحد، توقفت أنفاس الكلمات العذبة مع ذبول الرسالة قبل الأخيرة، الآن وقد قاربت النهاية على البداية، أفيقي من سبات الكبرياء، أعيدي لي تلك الرسالة المخبأة بين رمش القدر، فلم تعد ملكك تلك الرسالة قبل الأخيرة.