هل للقرى التاريخية، والحارات القديمة مردود اقتصادي؟
حمود الحارثي
لقد حبا الله سلطنة عمان الحبيبة بالعديد من المقومات السياحية، والحمد لله على ما أسدى وأنعم.
ففي حقيقة الأمر ما تجده في سلطنة عمان من تاريخ، وحضارة، ومواقع أثرية، وتنوع مناخي وتضاريسي لا تجده في معظم الدول كمًا، وكيفا.
إن القرى التاريخية، والحارات القديمة، وروعة تصميمها المعماري، والهندسي، وتميزها بالطابع الزخرفي، التي شيدت بأيدي بنائين، ومهندسين عمانيين يطلق عليهم محليًا (استاد بمعنى أستاذ) عبر العصور، تعد نموذجًا للمدن الصغيرة المحصنة.
تتوزع عبر محيطها في تنظيم متقن حارات المنازل الأثرية، والأسواق الشعبية التقليدية، وتتوسطها المزارع التي تمر من خلالها سواقي الأفلاج التي شقت بمهارة هندسية فائقة الدقة والإتقان، وعدد من القلاع، والحصون، والأبراج التي شيد بعضها على الأرض عند مداخل هذه القرى، وبعضها على قمم الجبال المحيطة بها، وترتبط ببعضها بسور مبني من الحجارة أو الطين، تلتقي في أربعة مداخل من الاتجاهات الأربعة على شكل بوابات تسمى محليًا (الدراويز) مشكلة بذلك برج مراقبة، وتحصين عسكري للسكان، يتوفر في بعضها مستشفى، كما تجد على مداخلها مصلى للعيد، ومركاضا للخيل والإبل.
وقد أصبحت في حاضرنا المعاصر مقصد للسياح محليًا وعالميا، وهذا النشاط كما هو ملاحظ في تزايد مستمر.
فهل يمكن أن يكون لهذه القرى التاريخية، والحارات القديمة مردود اقتصادي على المواطن والوطن، في ظل أن معظم مكونات هذه القرى والحارات يندرج تحت الملكية الخاصة للمواطن؟؟
في اعتقادي؛ نعم، في ظل الجهد المبذول من اهتمام، وتوثيق، وترميم، وترويج من قبل الجهات المعنية، بالإضافة للجهود الفردية والجماعية التي يقوم بها المواطنون، وخصوصاً ما نراه من جيل الشباب خلال الفترة الماضية، المتمثل في استثمار وتطوير عدد من هذه المواقع، مع حرصهم الأمين في المحافظة على طبيعة المكان ومكوناته الأثرية والتاريخية، بلمسات وخدمات عصرية، جعلت منها مقصدًا سياحيًا ذا مردود اقتصادي.
أو من خلال ذلك الجهد الإعلامي الذي يقوم به أبناء هذه القرى والحارات من خلال الترويج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي، والذي بكل فخر واعتزاز حل في نفسي محل الرضا، والاستحسان والتقدير.
فقد أسهم بلا شك في إثراء قطاع السياحة بهذه القرى والحارات محليًا، وعالميا، والذي نأمل أن يصاحبه في المستقبل عدد من الفعاليات التراثية كالرزحة، والعازي، وإحياء الأسواق الشعبية التقليدية، وركض العرضة للخيل والإبل، وإبراز الفنون الشعبية، والعادات، والتقاليد العمانية التي تزخر بها سلطنة عمان بمختلف أنواعها.
وقد نتفق بأن السياحة أصبحت في عالمنا المعاصر صناعة ذات مردود اقتصادي ممتاز في العديد من الدول على المستوى الفردي، والقومي، إذا ما منح هذا القطاع ذلك الاهتمام، والحديث هنا عن أهمية إعطاء استثمار القرى التاريخية، والحارات القديمة المساحة الكافية من الاهتمام والدعم، والتمكين، والتطوير المشفوع بالترويج الذي تستحقه، وذلك من خلال تشجيع المستثمر المحلي ودعمه، وتسهيل إجراءات استثمار هذه المواقع السياحية ذات الطابع الأثري، والتاريخي، وتبسيط إجراءات تغيير استعمال بعض المنشآت القائمة، مثل: المزارع التي يطلق عليها محليا (ضواحي)، والمنازل الأثرية القديمة لتصبح كنزل، أو مكتبات، أو متاحف عامة أو خاصة، ووضع لمسات جمالية على ضفاف سواقي الأفلاج، والأماكن المخصصة للاستحمام، والمعروفة محليًا باسم (المخايض-للرجال)، و(المصالي-للنساء).
وإني لأتطلع أن يضاف للجهد، والاهتمام الحالي من الجهات المعنية، والذي بلا شك مستحقًا للثناء ومحل تقدير بالغ، جهد واهتمام أكبر، وترويج سياحي محليًا، وعالميا أوسع، وأن نرى في المستقبل القريب في كل ولاية مكتبة زاخرة بالإنتاج الأدبي لأبناء هذه القرى، ومتحفًا يضم ما تخفيه صناديق الزعفران المحفوظة بمناديس المنازل من تاريخ، وموروثات، ووثائق تحكي للزائرين عن عراقة المكان وآثار من مروا به عبر الحقب، ومحطات تاريخ هذه القرى، والحارات التي يزخر بها هذا الوطن العزيز مشفوعة بخرائط سياحية، وكتيبات وأقراص مضغوطة وشاشات عرض، يصاحبها إحياء للفنون الشعبية، وتنشيط للأسواق الشعبية التقليدية، وترميم هذه المواقع الأثرية، وتفعيل أكبر لمراكيض عرضة الخيل والإبل التاريخية، ووضع اللمسات التجميلية عليها بما يعزز الارتقاء بها؛ لتكون وجهات سياحية عالمية ذات مردود اقتصادي.
كما نتمنى أن نرى مزيدًا من التنسيق والتكامل بين الجهات المعنية والمواطنين بما يحقق الرؤية والأهداف ذات العلاقة، وبشراكة حقيقية مع شركات ومكاتب السياحة، وبما لا يخل بحضارة، وتاريخ، وعادات، وتقاليد، وموروثات، وفنون شعبية تتميز بها هذه القرى والحارات في هذا البلد العريق العزيز سلطنة عمان.
والله أسأل أن تكلل جميع الجهود المخلصة بالنجاح المؤزر، والتوفيق التام، وأن نرى قرانا التاريخية، وحاراتنا القديمة ذات مردود اقتصادي بما يعزز الدخل الفردي والقومي من خلال صناعة سياحية حقيقية.
والله الموفق، وهو المستعان.