كيف نستقبل شهر البركات؟
خلفان بن ناصر الرواحي
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)}- [البقرة:١٨٦:١٨٣].
ونحن نستشعر عظمة هذه الآيات الكريمة التي دلت دلالة قطعية على فرضية الصوم وعظمة آياته وثوابه، ونزول القرآن الكريم، وأهمية الدعاء والاجتهاد فيه بالعبادة والتقرب إلى الله تعالى، لما يتميز به هذا الشهر المبارك عن باقي الشهور، فإنَّ الأمة الإسلامية جمعاء في الأيام القليلة المقبلة تستقبل ضيفاً عزيزًا ووافداً كريمًا عليها بالخير والبركات والنفحات، وتتشوّق القلوب إلى مجيئه، وتتطلع الأرواح النقية التقية إلى قدومه؛ إنه ضيفٌ حبيبٌ على قلوب المؤمنين، عزيزٌ على نفوسهم، يستبشرون به خيرًا، ويتباشرون بمجيئه، ويهنئون بعضهم بعضًا بقدومه، وكلهم يرجو أن يبلُغَ أيام هذا الضيف الكريم، وأن يُحَصِّل ما فيه من خير وبركة وأجر عظيم، فهو الذي تضاعف فيه الأجور؛ ألا وهو شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والبركات، شهر الطاعات والقربات، شهر الصيام والقيام، وتلاوة القرآن، شهر الشكر والذكر، والاستغفار والدعاء والتضرع والمناجاة، شهر الجود والسخاء والبذل والعطاء والإحسان، شهرٌ تعددت خيراته وتنوعت بركاته، وعظمت فيه مجالات الأجور وربح التجارة الأخروية. ذلكم الشهر العظيم المبارك الذي خصّه الله -جلّ وعلا- بميزات كريمة وخصائص عظيمة، ومناقب جمّة تميزه عن سائر الشهور. فما أجمله من شهر، وما أعظمه من أجر!
لقد كان النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- يُبشر أصحابه بمقدمه، ويبين لهم فضائله ومناقبه، ويَسْتَحثَّهم على الصبر والجد والاجتهاد فيه بطاعة الله والتقرب إلى الله -جلّ وعلا- فيه بما يرضيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه البخاري ومسلم)، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث التي تبين مكانة هذا الشهر المبارك وعظمته، والأحاديث الدالةُ على فضل هذا الشهر وعظيم شأنه وكريم منزلته عند الله كثيرةٌ لا تحصى وعديدةٌ لا تستقصى، فالواجب أن نفرح بمقدمه ونستعد لاستقباله؛ لنحظى من نصيب الأجر والثواب.
ولهذا يجب أن تكون غاية كل مسلم أن يعرف ويرعى مكانة هذا الشهر الفضيل، ويحسن وفادته وضيافته، ويفرح بقدومه، ويجتهد ويبذل قصارى وسعه وجهده واجتهاده في سبيل تحصيل طاعة الله والقيام بعبادة الله على الوجه الذي يرضي الرب تبارك وتعالى؛ لينال رضا الله سبحانه وتعالى، مصداقًا لقوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
فليس استقبال هذا الشهر الكريم بتجهيز ما لذ وطاب من مأكل ومشرب، ولا بتبادل التهانئ، أو التغني والإنشاد، ولا بإعداد برامج مشاهدة التلفزة والبرامج الهابطة، ولا بالسهر ومضيعة الوقت في الليل والنهار، إنما التهيّؤ لهذا الشهر الكريم تهيّؤٌ للطاعة، واستعدادٌ للعبادة، وإقبالٌ صادق على الله جلّ وعلا، وتوبة نصوح من كل ذنب وخطيئة، فالذنوب كثيرة والتقصير عظيم، وأمامنا موسمٌ عظيم للتوبة إلى الله جلّ وعلا، وإنها حقًا لفرصةٌ مباركة لا تعوّض لتصفية النفوس وتنقية القلوب، واجتماع الكلمة على طاعة الله جلّ وعلا، وبأن يُقبِل المسلمون جميعهم مطيعين لله، مقبلين على عبادته وطاعته، مبتعدين عن كل ما يسخطه.
أسأل الله -جلّ وعلا- أن يبلِّغنا جميعًا هذا الشهر العظيم، ويرزقنا ثوابه، وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن، والصبر على الطاعة، وأن يصلح ذات بيننا أجمعين، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يهدينا سبل السلام، ويصلح شأن أمتنا وولاة أمورنا، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور، وأن يجعلنا من عباده المتقين وأوليائه المقربين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.