على عتبات رمضان
مياء الصوافية
رمضان، تلهفت قلوبنا لقدومك وشرعت عيوننا ترقبك على مدارج أوبتك.
رمضان الخير، رمضان السلام، أيها الضيف، الذي تنتظره الأرواح على طرقات الأزمنة، وفوق مساحات الرجاء المتشوقة لصفاء أسحارك، وأوبة تسابيحك، هذه الأرواح التي رتبت أزمنتها الصلوات المؤنسات؛ فارتدت ألبسة التذلل المنكسرة أمام رجفة الخشوع.
رمضان، أيها الوطن الآمن للنفوس، التي تنازعتها الأماكن غير المستقرة في سفرات الهوى، إنك الوطن الحامل لحقائب الحنين عندما تعود إليك؛ وذلك بعد غربة سافرت بها هذه النفوس عنك إلى أوطان النزعات غير الإيمانية.
رمضان، إن حروفك تأخذنا إلى النيات النقية، والليالي النورانية، إنها تطير بنا إلى ملكوت السماء المسرجة لعودة التائبين، تحملنا إليها أجنحة التوسلات.
رمضان، إنك القناديل المعلقة في دروب العائدين، الذين أضاءت فكرهم آيات التأملات، وشمرت عن سواعدهم أماني المعتوقين من النيران.
رمضان، عندما يكون للمعنى الجميل معنى، عندما تكون أنفسنا على حافة الظمأ، ومضيعة السراب، عندما نكون لا شيء في أرواحنا، ونزاهة دربنا يأخذنا غيثك إلى ضمة الرحمات، واطمئنان التوبات، وفرحة العتق من درك الصاليات.
رمضان، تغتسل حواسنا معك وفيك؛ فلا نرى إلا نظرة الضمير، ولا يطرق مسامعنا إلا صواب الحق وتلاوات القرآن، وجوفنا لا يدخله إلا طيب الحلال، وخلوف أفواهنا زكي، كريح المسك، وجسدنا البالي لا يشعر إلا ببرودة منك تغسل مغاليق نفسه.
فيك يا رمضان، تتوق النية الصالحة إلى جنى الخير، نقتطف من كل ما من شأنه أن يعمر قلبها من إحسان تفيض به حواسها؛ فيغدو أنسا يستظل به الإنسان.
رمضان، إننا نحتسب الأجر غفرانا وتوفيقا مدخرا عند من مَنّ بك علينا.
قال تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة/184.
أيامك المباركات أيام معدودات، فكأنما هي غيث منهمر يحيي الأرض بغيومه المباركات؛ فيهطل كأمطار الصيف في برهة يسيرة من الزمن، لكن عطاءه تحتضنه الأرض؛ فنرى على أديمها اخضرارا باسما في الظاهر والباطن، يحمل وراءه خيرا عظيما مدخرا لأوقات مقدرة.
كذلك أيامك غراس خير، نرى توفيقه آجلا وعاجلا.
رمضان الإخلاص، تقصد النيات المسافرة فيك وجه الله -تعالى- فيباركها؛ بمدد إعانة على قيامك، ويحرم منها صاحب الذنب؛ ذلك الذي شانت جوانح الهوى نواياه، وألمت بقلبه انتكاسات الإخلاص؛ فلا يصل إلى معناك أحد إلا الصابرين المحتسبين.
البشارة بمقدمك حديث الجلسات، وشوق المنتظرين لك على قارعة الأيام، وهم ينشدون الأماني بأن تحييهم سجدات تراويحك، وابتهالات تهجدك، ويدعون الله أن يمن عليهم بليلة القدر ليعم السلام أرواحهم.
أنت كشجرة باسقة تحمل جنى الخير في أزمنة مباركة، خصك الله -تعالى- بأن تكون كهداية للعباد؛ ليعود الضال عن روح الإيمان إلى لذة السكينة بك، ويؤوب من سار به هوى الغفلة إلى نور الهداية، وليزداد من أخلص النية فيك من الأجور العظيمة، والرحمة المستفيضة.