الأحياء ينتهكون حرمة الأموات!
خلفان بن ناصر الرواحي
لقد أصبحت ظاهرة انتهاك حرمات المقابر من الظواهر التي بدأت تنتشر في مجتمعنا المحلي العماني، وتزداد وتيرتها يوما بعد يوم، فأصبحت حرمات الأموات تنتهك من الأحياء- وليتهم أحياء! – وتعددت مظاهر التعديات من منطقة لأخرى، فماتت الضمائر، وانتهكت الحقوق، ووصل الحال إلى اللا مبالاة وعدم الخوف من العقوبة الدنيوية قبل العقوبة الأخروية!
لقد كرم ديننا الحنيف بني آدم أجمعين؛ وذلك أنَّ الإنسانَ له حُرمةٌ حيًّا وميتًا، فمما جاء في السنة النبوية في الحديث المروي عن أم المؤمنين عائشةُ -رَضِي اللهُ عنها- تقول: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: (كَسْرُ عَظْمِ الميِّتِ ككَسْرِه حيًّا)- أخرجه أبو داود (3207)، وابن ماجه (1616)، وأحمد (24739)، فيظهر لنا من هذا الحديث أن كسر عظم الميِّتِ والحيِّ في الإثمِ سواء، ولكن الغفلة والتجاهل عمي على أبصار أمثال هؤلاء وقلوبهم الذين تجرؤوا على حرمات الله، وماتت قلوبهم، فلم يفرقوا بين موت قلوبهم وبين حرمة الأموات البالية عظامهم، وتجاهلوا حرمة جسد الإنسان عامدين إلى إيذائه حيًّا وميتاً .
يا لها من جريمة شنعاء في حق الإنسان، إذ التشبيه الظاهر في هذا الحديث الشريف إنما يدل على الوقوع في الإثم، ودليلٌ على الإهانة والغفلة عن الاتعاظ!
لقد تطاولت أيادي أمثال هؤلاء على حرمات المقابر، وتحولت بعضها إلى مزارع وطمست معالم القبور بها، وشيدت في بعضها المباني بشتى صنوف الاستخدامات، ومهدت الطرق، وأقيمت بها عِزَب، وأقيمت بها حظائر الأنعام والمواشي، وتنوعت الانتهاكات دون رادع من جهة معينة. فمن المسؤول عن إيقاف تلك الانتهاكات؟!، ومن الجهة المختصة بهذا الأمر؟، وهل تنتظر تلك الجهات المسؤولة حتى يرفع القاطنون في كل منطقة شكواهم فقط حتى يتم إيقاف تلك الانتهاكات، ومعاقبة مرتكبي تلك الجرائم بعد فوات الأوان؟!
ونشير هنا إلى أن المقابر في العديد من قرى وادي بني رواحة بولاية سمائل مثلها مثل بقية المقابر في محافظات البلاد تتعرض هي الأخرى للانتهاك على أجزاء منها، وزحف البناء المعماري عليها، واستخدام أجزاء منها كطرقات ورمي المخلفات، والحيوانات النافقة، وغير ذلك مما لا يليق بمكانة المقابر وحرمتها.
فنطالب بتشكيل لجنة خاصة في كل ولاية أو على مستوى المحافظات لتقصي الحقائق، ووقف كل من سوّلت لهم أنفسهم الاعتداء على حرمات الأموات، ونرى أن يتم تحديد جميع المقابر الخاصة والعامة ومسحها، وإصدار سندات تملك لها تتبع لجهة معينة بالدولة وتحت إشرافها المباشر، وسن التشريعات والقوانين التي تحمي حقوق الأحياء والأموات، وإلا فإن الوضع سوف يكون في ازدياد، وربما تتعدى الانتهاكات أكثر من ذلك، فالأمر المعيب حقاً والأفظع فعلاً أن تتحول بعض مقابر المسلمين في بلدنا -سلطنة عمان- إلى أماكن لتصريف مياه الصرف الصحي وطرق ومواقف للسيارات، ومرادم، ومرابط ومسارح للأنعام!