من فضلك، لا تقرأ إن كنت…!
خلفان بن ناصر الرواحي
لعلّ الغالبية منكم شدّ انتباهه هذا العنوان! أليس كذلك؟
بلى، أخي القارئ، إنها الحقيقة والواقع المر الذي تعيش فيه الأمة في ظل توفر وسائل العصر التي أبعدت الكثير منا عن القراءة، ولحقت تلك العدوى أيضًا العديد من الكتاب الذين يسعون نحو الشهرة وبلوغ القمة؛ ولهذا اخترت هذا العنوان وتركته مفتوحًا للتأويل، وفتح المجال لإكمال العبارة حسب فهم كل قارئ وإدراكه لما يعيشه هو في ذاته من حقيقة!
فقد يذهب بعضنا لاستخلاص المعنى المراد بمتابعة هذا المقال وقراءته حتى نهايته؛ لربما يجد المغزى من هذا العنوان غير المكتمل، ويعتقد بعضنا أنه بمثابة اللغز المقصود؛ لاجتذاب عدد كبير من القراء، وقد يسبح الفكر ببعضنا الآخر أيضا بأن الأمر يتعلق بموضوع ليس له علاقة بالقراءة!
فهنا مربط الفرس، فالفراسة في تحليل المغزى ذلك دورٌ مهمٌ، وخاصة عند المثقفين الحريصين على انتقاء مواضيع القراءة، فما نراه من واقع معايش من تجربة الحياة دفع بنا لكتابة هذا المقال، وتركنا الباب مفتوحًا على مصراعيه في تأويل العنوان وتكملة جملته؛ وذلك حتى نستطيع أن نصل بالهدف الذي خُلق من أجله القلم، فقد أقسم الله به في سورة القلم، ورفع مكانة صاحبه، كما أمر رسول الهداية محمد -عليه الصلاة والسلام- في بداية نزول الوحي بالقراءة، فكيف بنا نحن اليوم -معشر الأمة المحمدية خاصة- نجهل ذلك، ونختلق الأعذار الواهية لعدم القراءة؟!
لقد ورد العديد من الآيات في كتاب الله -عز وجل- وجميعها تحضنا على أهمية القراءة والتسلح بالعلم والمعرفة، وتبين مكانة أهل العلم. فلنتذكر معا قوله تعالى:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).(العلق:1)، وقوله أيضا:(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير). (المجادلة: من الآية 11)، وقوله كذلك:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ). (الزمر: من الآية 9)، وقوله تعالى:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ). (فاطر: من الآية 28). ألا تكفينا هذه الآيات عبرة وهداية ورشدا؟!
فمن الأمثلة من تجربة الحياة التي نتعامل معها في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال ما نلاحظه عند طرح مواضيع تسهل على القارئ لتسليط الضوء على موضوع معين، ومن كاتب كلف نفسه عناء الكتابة وانتقاء الكلمات بعناية ليبسط حرفه ليبحث عن القراء في الصحف، وخاصة الإلكترونية منها على وجه الخصوص؛ فتجد أن عدد القراء خجول جدًا مقارنة بمواضيع أخرى تافهة ومضيعة للوقت والمال!
ومن الأمثلة الأخرى أيضًا، أن بعض الصحف الإلكترونية بها عدد يفوق مئتي كاتبٍ، وقد تم إنشاء مجموعات لهم (واتسآبية) بهدف التعارف وتبادل الخبرات، والاستفادة من المداخلات والمناقشات للتطوير؛ إلا أنك تجد أن غالبية الكتاب أنفسهم لا يقرءون لغيرهم، ولا يكلفون أنفسهم بفتح الرابط لأي عمل قام به زملاؤه الكتاب!
إذًا عزيزي القارئ، هل أنت لا تقرأ …؟! أو أنك مللت القراءة وترغب في متابعة…! وأنت عزيزي الكاتب، هل تبحث عمن يقرأ لك فقط؛ ليقال عنك: إنك…؟!