الحقوق الزوجية في الإسلام (١٣)
د. عبد الحكيم أبوريدة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد،
فلقد تناولنا في مقالاتنا السابقة جانبا من الحقوق المشتركة بين الزوجين، ومن هذه الحقوق أيضا:( الملاطفة والمؤانسة بين الزوجين). ولقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يلاطف ويؤانس زوجاته أمهات المؤمنين، ويعمل على إدخال البهجة والسرور عليهن…
ومن مظاهر ملاطفته ومؤانسته زوجاته، ما جاء في سنن أبي داود عن عائشةَ -رضيَ اللَّهُ عنها- “أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في سفَرٍ قالت: فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ-أي: زاد وزني- سابقتُهُ فسبقَني، فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ”. (أبو داود: 2578).
وفي الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:”إنِّي لَأَعْلَمُ إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قالَتْ: فَقُلتُ: مِن أيْنَ تَعْرِفُ ذلكَ؟ فقالَ: أمَّا إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، فإنَّكِ تَقُولِينَ: لا ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْراهِيمَ، قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، واللَّهِ -يا رَسولَ اللَّهِ- ما أهْجُرُ إلَّا اسْمَكَ”. (البخاري: 5228، مسلم: 2439).
أي: أنها – رضي الله عنها- قالت: والله يا رسول الله، ما أترك إلا التسمية اللفظية، أما قلبي، فإنه متعلق بذاتك الكريمة، حبا صادقا، ومودة عميقة.
وجاء في الحديث الشريف أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:(كلُّ شَيءٍ يَلْهو به ابنُ آدَمَ فهو باطِلٌ، إلَّا ثلاثًا: رَمْيَه عن قَوسِه، وتأديبَه فَرَسَه، ومُلاعَبَتَه أهْلَه؛ فإنَّهُنَّ مِنَ الحقِّ). (مسلم: 1919).
وفي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال:”هَلَكَ أبِي وتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تَزَوَّجْتَ يا جَابِرُ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، فَقالَ: بكْرًا أمْ ثَيِّبًا؟ قُلتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قالَ: فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ، وتُضَاحِكُهَا وتُضَاحِكُكَ، قالَ: فَقُلتُ له: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ، وتَرَكَ بَنَاتٍ، وإنِّي كَرِهْتُ أنْ أجِيئَهُنَّ بمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عليهنَّ وتُصْلِحُهُنَّ، فَقالَ: بَارَكَ اللَّهُ لكَ أوْ قالَ: خَيْرًا”. (البخاري: 5367).
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.