أليس حصانك!!
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
كنا نسمعه كثيرًا على مقاعد الدارسة يردده لنا المعلمون من وقت لآخر، وكنا نسمعه كذلك من والدينا في المنزل؛ لذلك كنا كثيري الحذر عندما نريد التحدث مع الآخرين، ما الذي تغير في هذا الزمن؟، وما الذي يجبر الناس على ذلك؟، ألسنا في زمن التقدم المعرفي والتكنولوجيا ؟، وألسنا من المجتمعات التي تحافظ على قيمها الدينية والأخلاقية؟، أم أن هذه هي ضريبة التطور والمدنية؟، أم هي ضربية الانفجار المعرفي؟، ألم نتعلم من علماء الدين أننا محاسبون على كل شيء نتلفظ به؟، ألا يجب أن نكون قدوة لمن هم أصغر منا؟
تساؤلات كثيرة يمكن طرحها في هذا الموضوع، والسبب لما وصلنا له من مرحلة لا يصون أغلب الناس ألسنتهم، وأصبح المثل الذي كنا نسمعه سابقًا “لسانك حصانك إن صنته صانك، وإن خنته خانك” مجرد شعار لا قيمة له.
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة مكتظة بالكثير من الأطروحات والتعليقات والتغريدات التي تنتهك الخصوصيات والقيم والمبادئ، فالانتقاد الجارح ليس حرية شخصية، والسخرية من الآخرين ليست تسلية؛ لذلك أصبحت هذه الوسائل هي الكاشف والمصدر الحقيقي للكثير من الأمور التي نحتاجها، فهي تعطيك مدى الفكر الذي وصل إليه بعض الناس في المجتمع، وتعطيك مؤشرا لمستوى القيم والأخلاق التي وصلوا إليها، ومستوى الفكر والنضج لديهم، ومن ضمن هذه القيم قيمة عدم احترام الكلمة والتفوّه بما لا يتناسب مع المبادئ والعادات، والمحزن في الأمر عندما يصدر هذا السلوك من شخص متعلم ومثقف وأكاديمي، وشخص آخر يعده بعضنا ملتزما دينيًا، أليس الأمر هنا معيبًا؟، أليس من الأفضل أن يصدر من هذه الفئة من الناس الحِكم والقيم والنصائح؟، لأن بعضهم يعدّ هؤلاء مؤثرين في حياتهم، ويستمعون لهم ويتابعونهم، ويأخذون بكلامهم، وينتظرون ما سيكتبون علي صفحات تواصلهم الاجتماعية، وهذا ما نلاحظه من كمية الردود والتفاعل مع حساباتهم، والتعليقات التي يكتبها المتابعون، ولكن -وللأسف الشديد- هم يتساقطون من قائمة الملهمين والمؤثرين يوما بعد يوم، والسبب هو عدم احترامهم حصانهم الذي هو مصدر قبول الناس لهم.
بعض الأمثال تضرب ولا تقاس، وبعضها الآخر يضرب ويقاس، والمثل الذي ذكرناه ” لسانك حصانك إن صنته صانك، وإن خنته خانك” له دلائل عدة، فهو يشير إلى كيفية التخاطب والتعامل مع الآخرين، وكيفية إيصال الرسائل لهم، وأن أي كلام يصدر من لسانك ستكون أنت المسؤول عنه سواء أكان هذا الكلام طيبا أم خبيثا، فهو بمثابة الزرع الذي تزرعه في الأرض، وكل ما تزرعه ستجني حصاده، فأحيانا لما تجد السخط والغضب من الآخرين على ما تفوهت به، أو تدخل الجهات المختصة في التعامل معك لما كتبته؛ فهذا نتيجة زرعك، وهذا هو الحصاد؛ لذلك يؤكد لنا هذا المثل أن الكلمة التي ينطقها الإنسان إما أن تصون كرامته، وتنشر قيم التسامح والتعاطف بالمجتمع، وإما تكون قنبلة يرميها وتؤذي الآخرين، وتهدم سلامة المجتمع بما تحمله من قسوة لاذعة، وأصبحنا في زمن لا يعي خطورة الكلمات التي يكتبها وتأثيرها في الآخرين.