عقدة الذنب، وحقل الألغام
يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
“إذا علمت أن الله معك، لم يبقَ في قلبك اضطراب من تشويش الأسباب”.
(ابن القيم).
لا أشكّ في حُسن نوايا الكثير من الناس، وأفترض أنها الأصل، والنقيض هو الاستثناء، إنما بعض حِسان النية أقرب للسذاجة وللضعف الفكري الذي ربما يؤدي للضعف في الوازع الشرعي، فنجد أن هناك من يتعامل مع بعض تعاليم الشرع بنوع من الشكّ المقرون بعقدة الذنب، يتعامل على أساس أن الممنوع هو الأصل والمسموح هو الاستثناء، يبدأ الشك في التعاطي حتى مع أبسط المسائل الفقهيه، وهنا لست مع تمييع المسائل و لا إلى تشويهها إنما أتحدث عن اليسر والبساطة في التعاملات من قاعدة أن الدين يُسر و ليس عُسر.
شهر رمضان المبارك قريب، وكالعادة أتوقع تكرار الأسئلة المعتادة كل سنة للمشايخ عبر شاشات التلفزيونات ووسائل التواصل، وأكثرها أسئلة من البديهيات السهلة، كالسؤال عن السواك هل يفطّر؟ أو عن استخدام معجون الأسنان، ومن شاكلة هذه الأسئلة التي لا أستنقصها ولا أتهاون بشأنها إنما أقصد تكرارها كل سنة، ومن المفترض للمهتمّ القادر على الاتصال أو التواصل تلفزيونياً أنه يستطيع بضغطة زر معرفة المسموح والمحظور أثناء الصيام.
أحد الاصدقاء يعلّق على ذلك بأنه يجزم أن أكثر السائلين قد اتخذ قراره المسبق بشأن الفتوى المطلوبة ظاهراً وأنه في باطنه لن ينفذها بل سيعمل عكسها، لكنه حبّ الظهور أو قُل نزعة الشخص نحو السؤال.
لا شك في حق المسلم في التفقّه بدينه والسؤال عن الأمور التي يجهلها، إنما تكرار أسئلة بديهية في كل سنة والأجوبة موجودة في متناول أي شخص أمر غير صحي.
وأتذكر قبل سنة قام أحد المشايخ وهو الداعية حسن الحسيني من البحرين بعمل قائمة من الأسئلة المعتادة حول الصيام ووضع أجوبتها الشرعية بنفس القائمة، ليريح الجميع، لكن وكعادة الناس أشغلوا البرامج المرئية في مختلف القنوات بنفس الأسئلة المعتادة، يبدو وكأن الموضوع أصبح روتينياً وعملاً معتاداً كل سنة.
أتفكّر في سبب تكرار ذلك كل سنة، وغير ذلك من الأسئلة المثيرة للانتباه، مثلاً: أحد المتصلين على أحد البرامج يسأل الشيخ عمّا إذا كانت قراءة الأذكار بعد الصلاة هل يجب أن تكون في نفس مكان الصلاة أم يستطيع المسلم قراءة الأذكار في مكان غير مكان الصلاة، يتساءل أحد الاصدقاء عن ذلك: هل ديننا هو كحقل الألغام؟
هل عقدة الذنب التي تنتاب الكثير بسبب الجهل بيسر الدين؟
الحقيقة أن الكثير منهم من ذوي النوايا الحسنة، حتى تصوّر الواحد منهم بأن حياته الخاصة عبارة عن حقل ألغام، يتوقف بعد خطوة وينتظر قبل الأخرى، والعين تناظر هل وقعت بمحظور شرعي أم أن الأمور على حسب السنّة.
قال تعالى في الآية 286 من سورة البقرة: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، و قال جلّ في علاه في الآية 28 من سورة النساء: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)، وفي صحيح مسلم عن أبي موسى، قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره، قال: بشّروا ولا تنفّروا، ويسّروا ولا تعسّروا).
كانت التساؤلات الموضوعية حول هذا الموضوع تلاحقني، وأقارن بين المغالطات ومنطقية الحال، ولأن الأمور أحياناً لا تكون حتمية، ولا هي بالضبط المطلوب في عقل الإنسان، فقد تأتي مصادفات تقلب أفكار الفكر رأساً على عقب، وسبحان الذي يغيّر ولا يتغير.
لا شك أن للخلفية العلمية دوراً في طريقة تعاطي الناس مع التساؤلات الشرعية، فمن له علم وتفقّه بالدين يختلف عن المسلم العامّي، ويقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين.
من المهم نشر روح سماحة الإسلام ويسره على الناس، فالإسلام دين يسر وواضح ، وهو إضافة للإنسانية، وهو يدخل في أدقّ دقائق التفاصيل الحياتية، فلا جدوي من تنفير الناس، بل يجب حثّ الجميع على التفقه على الأقل ببديهيات التعاليم الشرعية، والمشايخ و الدعاة المؤهلين لذلك من فضل الله في كل مكان.
(عن أَبِي هريرة النَّبيّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ) رواه البخاري.