2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

العادات، نصنعها أم تصنعنا؟

صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراه في تنمية الموارد البشريةا
لجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا

لنعرف كيف نتعامل مع العادات لا بدّ أن نعلم أولاً ماهي العادات؟ وما هو منشؤها؟ وكيف نكتسبها؟

لنعلم ذلك يجب أولاً أن نعود إلى عقلنا فهو منطلق أي عادة، يتألف عقلنا من عقلين، العقل الواعي أو العقل الظاهر، والعقل اللاواعي أو العقل الباطن، والفروق بينهما كبيرة وعديدة، ولكن اليوم سنركز على فرق واحد، وهو أن العقل الواعي يقوم بتسجيل وحفظ أي معلومة جديدة ويحفظ الخطوات، فإذا أردت مثلاً أن تتعلم مهنة جديدة أو تكتسب مهارة على برنامج جديد، فسوف يقوم عقلك الواعي بجهد كبير لكي يحفظ خطوات هذه المهارة، لاحقاً وعند تكرار التعليم أو التجريب على هذه المهنة أو البرنامج سوف تترسخ الخطوات بعقولنا، وهنا تنتقل المهمة إلى العقل الباطن الذي يقوم لاحقاً باستخدام هذه المعلومات للقيام بالعمل على البرنامج الجديد الذي تعلمناه، بل من دون جهد يُذكر ومن دون تركيز منّا، لأن كل هذه المعلومات قد خُزّنت وحُفظت، ومهمة العقل الباطن أصبحت فقط استرجاعها واستخدامها.
ومن هنا نستفيد أمراً مهماً، أنه عندما نتعلم مهارة جديدة أو معلومة جديدة، فسوف يكون هناك جهد عقلي كبير، هذا الجهد دليل نموّ وزيادة مقدرة لعقولنا، بينما إذا لم يكن هناك مجهود عقلي فاعلم أنك تستخدم معلومات قديمة مخزنة في ذاكرتك.

ولكن ماعلاقة كل هذا بموضوعنا؟ لتعلم أن العادة هي شيء قمت بتكراره مرات عديدة فترسخت في عقلك فأنت تقوم به دون مجهود ودون مقاومة تُذكر منك.

يشير الكاتب الأمريكي تشارلز دويج Charles Duhigg في كتابة قوة العادات the Power of Habits، ” أن 40% من التصرفات والأفعال تنتج بشكل تلقائيّ من قبلنا، وهي عبارة عن العادات وهي ما يتخزن في عقولنا ونقوم به من غير تفكير”.

وهذا مؤشر خطير يدلّ على أن لعاداتنا أثر كبير في حياتنا، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف أكتسب عادة جديدة أنمو بها وأوسّع بها قدراتي ومهاراتي؟

جميعنا يعلم أن الكثير من العادات مهمة لحياتنا، مثل ممارسة الرياضة اليومية، تعلّم برامج جديدة تفيدنا في تطوير عملنا، اتقان مهنة معيّنة تدرّ لنا دخلاً، تعلّم لغة جديدة، وغيرها من العادات التي نعلم تماماً احتياجنا لها، ولكن أغلب الناس لا يقومون بذلك نظراً للمقاومة الكبيرة التي تقوم بها عقولنا لتقبّل أفكار جديدة، ولحجم المجهود الذي نحتاجه لتعلمها.

تشير البحوث إلى أن هناك طرُق كثيرة لاكتساب العادات الجيدة، ولكن العامل الحاسم لخلق عادة جديدة هو الرغبة، لا يكفي أن نشعر أننا بحاجة إلى اكتساب عادة جديدة، ولكن المهم أن يكون لدينا رغبة وسعادة في اكتسابها.
عام 1954 قام عالم ثديات بتجرية لدراسة الرغبة لدى الثديات ومنها الإنسان، قام العالم بنزع هرمون الدوبامين المسؤول عن الرغبة والسعادة لدى الثديات التي اختار منها الفئران لإجراء تجربته، وهو الهرمون الذي يفرز عند الوصول إلى انجاز معين، أو الحصول على شيء نرغب به، وعند نزع هذا الهرمون فقدت الفئران الرغبة في الطعام والشراب، وماتت بسبب فقدان الرغبة. والسؤال الجديد هنا كيف نخلق الرغبة لاكتساب عادة جديدة؟

لا بدّ أن نقوم بربط العادة الجديدة المراد اكتسابها بطريقة ما بهرمون الدوبامين المسوؤل عن سعادتنا، ولنضرب مثالاً على كيفية القيام بذلك:

طرح الكاتب جيمس كلير James clear في كتابه Atomic Habits مثالاً لقصة حقيقية عن قيام مهندس برمجيات مدمن على مشاهدة المسلسلات على Netflix ويشعر بالسعادة الغامرة عند مشاهدتها، وبنفس الوقت يشعر أن لديه حاجة لصنع عادة تمكّنه من ممارسة الرياضية بشكل مستمر، فقام هذا المبرمج بربط اللاب توب الخاص به على جهاز الجري الرياضي بحيث لا يمكنه مشاهدة أي مسلسل إلا بعد تحريك السير الرياضي لمدة معينة وبسرعة معينة، وهكذا تمكن هذا المبرمج بذكاء من الربط بين عادة يحتاجها لصحته وبين رغبته في مشاهدة المسلسلات على منصة Netflix.

لنقوم أولاً بتحديد العادات التي نحتاجها وتشكّل لنا تطوراً ملموساً في حياتنا، ثم لنقم بربط هذه العادات بأعمال أخرى تشعرنا بالسعادة، وهي قائمة المكافآت الداخلية لدينا، مثل مشاهدة فيلم معيّن، سماع شيء معين، أكل طعام معين، زيارة مكان معين وهكذا، حتى يتشكل لدينا ما يُعرف بفعل الإنعكاس الشرطي الذي يقوم بالربط بين الأحداث.

وأخيراً يجب معرفة أن العادات مكتسَبة، وأنه بإمكاننا تغييرها واستبدالها بأخرى نافعة تؤثر على حاضرنا ومستقبلنا.

ولتعلم أنه نحن من يصنع العادات، ولكن مع الوقت تنتقل القيادة لها فتصنعنا، فيجب أن نعيد صياغتها وتشكيلها لأنها ستشكّل حياتنا القادمة.
ولتعلم أيضاً أنه سيكون هناك مقاومة ومجهود في بداية تعلّم أيّ عادة جديدة لمدة لا تقل عن 21 يوماً كما حددها الباحثون، ثم تصير تلقائية تحدث من غير مجهود ومن غير مقاومة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights