نعمة لا نشعر بها
أحمد بن موسى البلوشي
من النعم التي يجب أن نشكر الله عليها وجود الوالدين على قيد الحياة؛ يعيشان بيننا، ونتمتع بحسّهما وصورهما، نسمع منّهما ويسمعان منّا، نشاطرهما أفراحهما، وأحزانهما، ولكن هناك نعمة أخرى يكاد الأغلبية منّا لا يشعرون بها، وهي (نعمة الجد والجدة)؛ فلو سألنا أنفسنا: متى آخر مرة زرت جدك أو جدتك؟، غالبًا سيكون الجواب: من فترة طويلة لم أزرهما، ولا أعلم عنهما شيئا، وأحيانًا أسمع أمي أو أبي يتكلمان عنهما، وربما تسمع إجابة أخرى، وهي بأنّي زرتهما خلال أيام العيد الماضي، أو تسمع بعضنا يقول: والله لكثرة انشغالاتي الحياتية لا أجد وقتًا لزيارتهما! أليست هذه نعمة من نعم الله علينا، ونحن نتجاهلها ولا نشعر بها إلا بعد فوات الأوان؟
يقول الإمام النووي مرتبًا الأقارب في صلة الرحم:”قال أصحابنا: يستحب أنْ تقدم في البِرّ الأم، ثم الأب، ثم الأولاد، ثم الأجداد والجدات، ثم الإخوة والأخوات، ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام، كالأعمام والعمات، والأخوال والخالات، ويقدم الأقرب فالأقرب”، وصلة الرحم هنا لا تعني فقط زيارتهم والسلام عليهم؛ بل تشمل الإحسان إليهم، ومساعدتهم وتقديم العون، وقضاء حوائجهم.
ومن أكبر المشاكل التي يواجها الجد والجدة في هذا الوقت الوحدة والغربة، والسبب في ذلك لأنّهما يقضيان أغلب أوقاتهما دون من يؤنس وحدتهما، ويشاطرهما الحديث والنقاش، وهذا راجع لقلة الزيارات لهما، فهما بأمسّ الحاجة في هذا العمر للرعاية والاهتمام؛ فمن الواجب علينا أنْ نخصص لهما وقتا للزيارة، وتفقد أحوالهما؛ فهذه الزيارات تبعث الفرح والسرور في نفسيهما، وبإمكانك أنْ ترى كميّة الفرح والسعادة على وجهيهما من أول ما تلتقي عيناك بعينيهما، ولا تنسى كذلك بأنّ هناك أمرًا في غاية الأهمية من زيارتك لهما، وهو أنّك تدّرس أبناءك أو أحفادك أو إخوتك دروسًا جمّة أهمها البر والإحسان؛ فيتعلمون كيف يبرّون ويحسنون فيمن هم أكبر سنًا.
أحيانًا تجد بعض الأطفال لديهم سلوكيات وتصرفات غريبة لا يتقبلها الوالدان، هذه السلوكيات أتت نتيجة المدنية الحاصلة، والبيئة التي يعيشان فيها والصحبة؛ مما يجعل الوالدين في حالة غضبٍ دائمٍ وخلاف معهم، وعندما تبحث عن أسباب غضب الوالدين لهذه الحالات تجد أنّ أغلب الدراسات الحديثة تؤكد أنّ الوالدين يفتقران إلى الخبرة الكافية في التعامل مع أبنائهم، ولا يمتلكون حسن التصرف الكافي في هذه الأمور، ويؤكد المختصون في هذا المجال أهمية الاستعانة بالجد والجدة في تربية الأبناء؛ لما يمتلكان من رصيد وخبرة كافية في هذا المجال.
الجد والجدة هما عنوان الحنية والعطاء، فهنيئًا لكل بيت فيه شمس وقمر أو أحدهما، فهما مصدر السعادة للأبناء والأحفاد؛ وذلك من خلال القصص التي يحكيانها، والنصائح التي يوجهانها للأطفال بناءً على الخبرة المتراكمة لديهما؛ فلا نحرمهما ولو جزءًا بسيطاً من وقتنا، فالوقت الذي تقضيه معهما ثمين لك، ومردوه النفسي أكثر جمالًا.