قصة بعنوان (لعبة الرهان)
إلهام سالم السيابي
دقت الساعة معلنة تخطي عقاربها الواحدة بعد منتصف الليل، وبرغم هدوء المكان وسكون الظلام لا يشوبه؛ فإن أصوات نباح الكلاب الضالة ومواء القطط المتعاركة آخر الليل، ورنين الهاتف في غرفة (نوال) يكاد يصم الأذان، وهي تتجاهله بكل بساطة.
مكتئبة في غرفتها لا تكف عن البكاء، وتعاتب نفسها بصوت عالٍ بينما أخذت تضرب يديها بقوة على الجدار كلما تذكرت أنها وقّعت على ورقة التنازل عن توأمها (نهاد ورشاد).
كيف استغنت عنهما لطليقها (خالد) هكذا بكل بساطة؟
(نهاد ورشاد) هما أجمل لحظاتها التي تذكرها بحياتها الحلوة مع (خالد)، الرجل الذي قبلت به زوجا؛ لأنها أحبته من كل قلبها، أحبت طيبته وطموحه، شغفه للنجاح، احتواها بحبه وصدق أفعاله، وتقدم لأهلها خاطبا، محبا، كم كانت سعادتها كبيرة عندما وافق والدها عليه زوجا لها! كانت سعادتها لا توصف، وتكللت فرحتها، وهي تتوج عروسا جميلة تزف إليه أمام أعين الأصحاب والأهل والأحباب.
واكتملت فرحتها الكبيرة، وهي تتلقى خبر حملها بتوأم، هل تتخيلون الفرحة التي طغت على كل الأسرة؟ وبدأ العد التنازلي لانتظار اليوم الموعود، والقلوب والدعوات لا تنتهي، وبدأت أصوات صراخ الجنين الأول تصم الآذان، إنها فتاة جميلة بدأت وكأنها ترفض الخروج بدون أخيها الذي تبعها بدقائق قليله معلنا انتهاء فترة الحمل الطويلة، تهللت الوجوه بالابتسامة والأفواه بالضحكات، و(خالد) يحمد الله على سلامة الجميع، ولم يستطع أن يخفي دموع الفرح، وهو يحتضن زوجته وطفليه الصغيرين.
كانت الأيام تمر، وكأنها لحظات إلا أن (نوال) بدأت تشعر بملل واكتئاب من كثرة الاهتمام بالصغيرين لم تعد تستطيع الاهتمام بنفسها، ولا بزوجها، فطلبت منه أن يحضر لها عاملة تساعدها في القيام بأعمال المنزل؛ فأحضر لها بدل العاملة اثنتين، لتستطيع أن تتفرغ لنفسها وله، ولكن الأمور لم تتم مثلما أراد (خالد)، بدأت (نوال) تتذمر من كثرة تفرغها وحنينها وحبها للعودة للعمل من جديد في شركة أبيها، فلم يمانع زوجها؛ لأنه يعرف أنها تريد أن تسترجع ثقتها بنفسها، وتدعم شخصيتها الجديدة كونها أما وموظفة، ولكن (نوال) تناست أنها أم، وبدأت بالاختلاط بشخصيات نسائية من مختلف الجنسيات بالإضافة لمديرين شركات أخرى، وبدأت التعامل معهم بدعوات للخروج خارج العمل، كان والدها يدير دفة الحوار، وتلخيص المشاريع التي يجب أن يتم استثمارها، فبدأت تشعر بنظرات تلاحقها، وتحاصرها، وبعيدا عن زوجها الذي تناست وجوده في عالمها الجديد سمحت لرجل آخر أن يجدد عقود الحب في قلبها.
بدأ زوجها يلاحظ عليها كثرة الخروج من البيت وتأخرها للعودة إليه، وعندما يسألها كانت تجيبه: عمل، حفلة مع الصديقات، جلسة خاصه للنساء، وهكذا إلى أن بدأ (خالد) يشعر ببرود عواطفها اتجاهه، وكثرة سرحانها، أصبحت الأمور خارجة عن السيطرة.
كانت (نوال) تستعد للخروج ضمها إليه بشوق وحنان، وطلب منها المكوث معه وعدم الخروج، إلا أنها رفضت مصغية لكلمات صديقاتها اللواتي حذرنها من الرضوخ لأوامره؛ مما يجعله مسيطرا عليها، ألح عليها بتدليلها، وبدأ يتلمس وجهها الذي اشتاق لرؤية محياه، أبعدته عنها بهدوء، حاول أن يضمها إليه إلا أنها أبعدته عنها بحجة أنها تأخرت عن صديقاتها..
صديقاتك،،!!؟
توقف لحظات قبل أن يخرج هاتفه، ويريها بعض الصور قائلا :
أهؤلاء هن صديقاتك؟
نظرت لصورتها، وهي تجلس مع زميلها (مهند) في مقهى عام، تلعثمت، ثم استطردت قائلة :
كيف تجرؤ على مراقبتي؟
قال خالد بهدوء: لم أشك فيك لحظة واحدة، حتى الذي بعث هذه الصورة كان يقصد تخريب بيتي، ولكني كنت متأكدا أن هذا الإنسان لا يعني لك شيئا مجرد عمل متبادل، أما الآن وقد رأيت ردة فعلك، سأقول لك :
أنا أحبك وقلبي لم يحب يوما غيرك.
دام الصمت بينهما، واستمر صوت جوال (نوال) مستمرا إلا أنها نظرت لساعتها قائلة :
لقد تأخرت.
التفتت مسرعة، فأوقفها “خالد” قائلا :
إذا خرجت الآن سأخرجك من حياتنا.
أمسكت مقبض الباب، وهي تنظر له، وتقول بكل دهشة :
أخيرا، استطعت أن تفهم أنني لم أعد أتحمل لمساتك وهمسات، لم تعد الرجل الذي أحب، ولا الذي أريد.
وفتحت الباب، وهي تسمع (خالدا) يقول:أنت طالق.
لحظتها ابتسمت (نوال)، وأحست بالنصر والفرح؛ لأنها أخيرا ستتخلص منه، وستتزوج من (مهند)، وها هي الآن تأكلها نفسها النادمة على كل كلمة قالتها لخالد.
استمرت خمس سنوات تعيش جو الصديقات منخدعة فيهن، وفي كلام زميلها العاشق (مهند) الذي بدأ بالابتعاد تدريجيا عنها خاصة بعد طلاقها من (خالد)، بدأت تفهم أنها كانت مجرد دمية وقعت في الفخ بغبائها، وفهمت أنها كانت (لعبة رهان) لمجموعة من الشباب المنحط لتخسر زوجها وبيتها، وكل ذلك بمساعدة زميلاتها اللواتي كن يصورنها خلسة، في لحظات جلوسها مع (مهند)، ويرسلن الصور لزوجها (خالد) الذي كذب كل تلك الصور؛ لثقته بها، وها هي خسرت كل شيء: زوجها حبيبها، توأمها، وخسرت ثقة أهلها وأسرتها بها.
توقفت أمام بائع الزهور لترسل لـ(خالد) باقة من الورد بمناسبة زواجه، وخطت عليها كلمات بسيطة، وطلبت إرسالها لمكتبه.
تأمل (خالد) باقة الزهور الجميلة، وقرأ(مبارك لك الزواج، تستحق الأفضل دائما، لا أطلب منك إلا أن تسامحني).