التَّعايُش السِّلْمِيّ فِي النَّحوِ الْعَرَبِيّ (2) الفصلُ بين الْمُتَضايفَيْن
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
وجود المتلازمات من خصائص التركيب في بناء الجملة العربية، نحو الصفة والموصوف، والحال وصاحبها، والمعطوف والمعطوف عليه، والمضاف والمضاف إليه.. إلخ
وتنشأ علاقة قوية بين تلك المتلازمات بحيث لا يمكنها قبول أي تغيير يطرأ عليها، أو يؤثر فيها وفي هذا البنيان، ومع ذلك فهي تسمح بما يُسمّى “العوارض الأسلوبية” التي تفصل بين تلك المتلازمات، أو تحدث تغييرا في البناء عامة، وهذا إن كان خلاف الأصل؛ لكنه من باب التوسّع في التراكيب اللغوية.
وتُعدُّ قضية الفصل بين المتضايفين قضية شائكة نوعا ما؛ حيث يرى جمهور النحاة أن تسويغ الفصل بين المتضايفين لا يتم إلا في سياقات محددة، فليس على إطلاقه؛ وذلك لأن المضاف والمضاف إليه بمثابة الشيء الواحد، فالمضاف إليه من تمام المضاف يقوم مقام التنوين ويعاقبه، فكما لا يحسن الفصل بين التنوين والمنون، كذلك
لا يحسن الفصل بين المضاف والمضاف إليه؛ ولذا عدَّ علماؤنا الفصلَ بينهما مِن اللَّحْنِ القَبيحِ إلاّ على سبيلِ الضّرورة.
وحديثنا هنا لا يتناول مسألة الخلاف بين النحاة في المواضع التي أجازوا الفصل بها بين المتضايفين، فهذا ليس موضعه، ولكن نشير إلى عموم الظاهرة المستخدمة في الكتابات المعاصرة، ونعطي مثالا لتوضيح الأمر:
إذا قلنا: (هذا كتابُ وقلمُ محمدٍ) فهل هذا التعبير صحيح لغويا؟
نأتي إلى بيان الأمر من خلال ما يأتي:
هذا
كتاب
وقلم
محمد
مبتدأ
خبر (مضاف)
اسم معطوف
مضاف إليه
المضاف هنا كلمة (كتاب)، والمضاف إليه كلمة (محمد)، وفصل بينهما فاصل كلمة (قلم)، وهذا الفصل قبيح وجوده بين المتلازمين (المضاف والمضاف إليه)؛ لذا نلجأ إلى التصويب الآتي الذي يعطينا الصورة الآتية: (هذا كتابُ محمدٍ وقلمُه).
هذا
كتاب
محمد
وقلمه
مبتدأ
خبر (مضاف)
مضاف إليه
اسم معطوف
المضافَ والمضافَ إليه هنا صارا بالتّركيب الإِضافيّ بمثابةِ الكلمةِ الواحدة؛ لذا لا يجوز الفصل بينهما في هذا الموضع، ويجب أن ننتبه إلى مثل هذه النماذج التي تقابلنا في كتاباتنا.
ويتجلى دور التعايش هنا في احترام متلازمة المضاف والمضاف إليه في حدود ما يسمح به قانون الفصل، ولا يمكن التعدي على تلك المتلازمة، بل يتفهم الاسم المعطوف (قلم) هذا الأمر جيدا، ويدرك أبعاده السياقية؛ ولذا نجد التناغم يحدث بين المضاف إليه والاسم المعطوف، فبعدما ترك الاسم المعطوف العطف على المضاف، وانتقل بعد المضاف إليه؛ ليعطف عليه، أعطاه رابطا جاء في صورة ضمير يتصل بالاسم المعطوف، ويربطه بالمضاف إليه سابقا؛ وبهذا يتحقق التعايش في سياق المضاف والمضاف إليه والاسم المعطوف، والجميع يحترم متلازمة الفصل بين المتضايفين بكل رضا وتقدير.
وما أحوجنا إلى تلك العلاقات السياقية التي تحدث بين الكلمات! فعندما نقدم احترام القانون على مصالحنا الشخصية، وكل منا يحترم ذاته، ويقدر غيره؛ فإن البناء سيكون قويا ومتينا؛ ومن ثمَّ تكون التنمية والرقي والنهضة.
ما أجمل الاسم المعطوف حين احترم متلازمة المضاف والمضاف إليه! وما أعظم إهداء المضاف إليه ضميره للاسم المعطوف؛ كي تقوى العلاقة بينهما! وما أحوجنا إلى تلك المعاني! وللتعايش بقية..