2024
Adsense
مقالات صحفية

موقف المسلم من الصعوبات الاقتصادية الحالية من وحي القرآن الكريم

صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراه في التنمية البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا

لا يُخفى على أحد الآن شدة الظروف التي يمر بها المسلمون من نواحٍّ عديدة لا سيما الاقتصادية منها في ظل استمرار أزمة كورونا في البلاد الإسلامية والعالمية، حيث تعطَّلت التجارة وتوقف الإنتاج وارتفعت نسبة البطالة وأعُفي الكثير من الموظفين من أعمالهم لا سيما في القطاع الخاص، ولا ريب إنّه اختبار وابتلاء من الله سبحانه لنا، ومن يحاول أن يُفسر ما يجري بمعزل عن الإرادة الإلهية فأنّه يجهل أمر دينه، فإنّ لله سنن لا تحول ولا تزول، ومن هذه السنن الابتلاء بخيره وشره، وقد وعدنا الله في أكثر من موضع في القرآن الكريم أنّه سوف يبتلينا ويمحّصنا ويختبر صدق إيماننا، فقد قال عزوجل”( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)” وقال “(َأم حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)”. ومن المفيد استحضاره في ظل هذه الأزمة إحدى قصص القرآن التي وُصفت فيها المواقف والمشاعر في غزوة الأحزاب (الخندق)، وكانت ابتلاء وامتحان وزلزال شديد للمؤمنين كما وصفه الرب جلَّ وعلا في سورة الأحزاب إذ قال”( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (“. والمهم هنا استذكاره كيف محّص الله بهذا البلاء المؤمنين؟! وكيف تم تصفية المؤمنين من المنافقين؟! وماذا كان الظن باللّه سبحانه من كل فريق؟! في هذه الغزوة انقسم مجتمع المدينة المنورة إلى قسمين:
1. معسكر المنافقين:
الذين فضح الله ما في قلوبهم وأظهر نفاقهم وكذب وعودهم وزيف ادِّعائهم، إذ وثُّق موقفهم في كتاب الله، حيث قالوا:” وإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا “.

2. معسكر المؤمنين:
الذين صدّقوا وعد الله ورسوله بأنّهم سيمتحنون ويبتلون، فآمنوا وسلُموا، فُخلِّد موقفهم التاريخي، قال جلّ في علاه مثنياً على صبرهم وصدق إيمانهم وتسليمهم:
“( ولَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)”.
ومن الجدير ذكره أن قصص القرآن ترد للاعتبار وأخذ الحكم والفوائد، والسؤال ما موقف المسلم المستخلص من هذه القصة في خضم هذه الأزمة؟ يجب أن ينطلق موقف المسلم من نقاط أهمها:
1. ما الغاية من العبادة؟! هل يعبد الله على مصلحة ومنفعة؟ أم يُعبد الله على إيمان وتسليم ورضا لحكمته وتدبيره؟! قال سبحانه ذاماً مسلك الذين يعبدون الله في السراء فقط، وإذا أصابتهم مصيبة تغير موقفهم وبان معدنهم وانكشف كذبهم: “(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)”، فحذار أخي المسلم أن تسلك مسلك هؤلاء، فإنّهم عبّاد مصلحة ومنفعة.
2. أن نحسن الظن باللّه سبحانه مهما أصابنا، فابتلاء الله لحكمة ومصلحة، وليس من دون غاية كما يعتقد البعض، فما يكاد يذكر الابتلاء إلا ويذكر معه العلة والسبب، (لعلهم يذكرون)، (لعلهم يرجعون)، (لعلهم يتضرعون)…إلخ، فللابتلاء حكما وأسبابا قد تظهر للمؤمن وقد لا تظهر، والواجب التسليم لأمر الله ولحكمته والرضا بقدرة، فقال سبحانه “فما ظنّكم برب العالمين” وقال “وتظنون باللّه الظنونا”.
3. نشر التفاؤل والطمأنينة بين المجتمع المسلّم وعدم اليأس من رحمة الله، قال جلّ في علاه: {وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ الله إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ}[يوسف:87]. والابتعاد عن المرجفين والمحبطين، بل التصدي لهم بكل الوسائل الممكنة.
4. إنّها فتنة وابتلاء وامتحان من الله، وإنّها لا تدوم، وأن اليسر يتبعها ولا بد، وعد من الله، ولن يخلف الله وعده، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «وإن الْفَرَجَ مع الْكَرْبِ وإن مع الْعُسْرِ يُسْراً» رواه أحمد. كما جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه:( لو كان العسر في جحر لتبعه اليسر حتى يدخل فيه فيخرجه، ولن يغلب عسر يسرين).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights