مركزية .. الخيل من خيّالها
يوسف عوض العازمي
“إذا أردت أن تعرف أخلاق رجل فضع السلطة في يده، ثم انظر كيف يتصرف”. (مونتيسكو)
ماذا يعني أن تكون مسؤولاً بأي مسمّىً كان؟
المسؤولية لها نطاقات مختلفة خاصة وعامة، أعظم مسؤولية هي جهاد النفس، كيف تسيطر على النفس الأمّارة بالسوء؟ ثم مسؤوليتك نحو والدَيك والبرّ بهما، وأتذكر قوله تعالى: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (الإسراء: من الآية 23)، ومسؤوليتك نحو عائلتك، الزوجين والأبناء، ومسؤولية التعامل مع المحيط القريب المرتبط بك (أسرة، جيران، أصدقاء، زملاء عمل)، ثم مسؤوليتك في عملك سواء كان خاصّاً أو عامّاً، مسؤولية المدير عظيمة، فكم من مدير قفز بإدارته من.. إلى..!
في حياتك الخاصّة لا بُدّ أن لديك أسلوبك الذي تقود به نفسك أولاً، ولا بُدّ لديك ثوابت ومسّميات، لا تتعداها قيد أنملة، كذلك في حياتك العامة بتعاملك مع محيطك الخاص والقريب والعام، في تعاملاتك مع الناس بشتى تصنيفاتهم، بأمورك المظهرية (لباس، مركبة، غير ذلك)، بأمورك المالية، بكل شيء هناك إدارة خاصة للنفس، وإدارة عامة للتصرف وكيفيته مع الناس الذين تتعامل معهم في الأسرة، والأصدقاء، والعمل، والعلاقات العامة، وهكذا، وكيفما تدر أمورك أقُل لك من أنت؟
سيكون الحديث عن إدارة العمل، والأعمال، أي الإدارة العامة، وليس الخاصّة، وسأفترض أني سأحكم على مسؤول منشأة مؤسسية (خاصة، عامة)، فكيف سيكون الحكم؟
الحكم سيكون على نمطين:
النمط الخارجي والمظهري للعمل أو المنشأة، والنمط العمليّ في كيفية التعامل مع المرؤوسين، وكيفية توزيع الصلاحيات (بافتراض امتلاك المسؤول الصلاحية بذلك)، وفلسفة إدارة الأفراد داخل العمل، وهذا ما سوف تتناوله السطور اللاحقة.
لو تتبّعت عمل الإدارة في أي مؤسسة عامة كانت أو خاصة، ستعرف كفاءة المسؤول الأول (الأعلى) من أول انطباع، وسأبين لك بتبسيط؛ إذ لك أن تتخيل أنك في زيارة لمقرّ وزارة حكومية، ما الذي سيصادفك أولاً؟
بالتأكيد المبنى الخارجي أو الساحة الخارجية، أو إن كانت الإدارة بمكاتب إدارية ستصادفك أولاً القاعة الأولى التي غالباً سيكون بها رجل أمن (أو منظم دخول)، ثم مكتب استقبال، هنا سيكون الانطباع عمّاذا؟
إن كان المبنى له ساحة خارجية:
-حالة الساحة من حيث النظافة، الترتيب في مواقف السيارات (إن وُجدت)، حالة الحديقة (أيضاً إن وجدت)، لباس العاملين سواء رسمي أو مدني (من حيث الالتزام باللباس الكامل الوطني والصورة العامة لِلباس)، اللوحات الإرشادية، إذا ما الانطباع الذي ستخرج به بوصفك زائرا عابرا هذا المكان، في حال وجود الأمور سالفة الذكر على أفضل وضع؟ أعتقد أنك ستتذكر المثَل الشهير: الخيل من خيّالها.
المظهر العام غالباً يرتبط بالسلوك؛ لذلك عندما تجد الأمور متماسكة شكلياً ومظهرياً؛ سيكون من الصعب التراخي في سلوكيات العمل الرئيسة الجادّة؛ لأن من أسّس وأكّد على المظاهر العامة بلا شكّ سيكون تأثير ذلك على دقائق الأمور أشدّ وأمضى؛ لذا تجد المؤسسات ذات الجديّة العالية تركّز على مظاهر النمط العام؛ حتى تعطي انطباعاً أولياً يستقبل الزائر أو المستفيد.
هل تعلم أن طباعة اسم المؤسسة على الأقلام المستخدَمة وعُلب المحارم الورقية، وظروف الأوراق، حتى أبسط الأمور يعطي فكرة عن أنظمة الانضباط وجديّة العمل؟
تلك تفاصيل دقيقة تؤسّس لفكرة عامة.
ما سلف نظرة مختصرة للانطباع الأوّلي.
نأتي للانطباع التالي، وهو مهم جداً، مستوى الموظفين وطريقة تعاطيهم مع الزائرين ذوي العلاقة، هل سيترك الموظف انطباعاً جيداً لدى الزائر؟ (بالطبع ينسحب الانطباع على المؤسسة ككل والعكس صحيح)، لا شكّ أن أنظمة الإدارة التي تتوجه نحو الموظف الشامل هي الأفضل فعاليّة في إدارة المؤسسات بأنواعها؛ لذلك إن كان الموظف يملك صلاحيات كافية ومناسبة، وبإمكانه إنهاء أي معاملة اعتيادية دون الرجوع لتوقيعات أخرى، هنا سيتم اختصار الدورة المستندية، وإراحة الجميع، ويعلم كل متابع هذه الأمور أن وجود أنظمة الحاسوب الحديثة سهّلت ومهدت كثيراً من الأمور، ويسّرت تدفق كثير من المعلومات المطلوبة؛ لذلك الفائدة تعمّ أطراف العلاقة جميعاً بحال انضباط مهمة الموظف الشامل، وهنا سيكتشف ذو الشأن أن استخدام الأوراق سيقلّ كثيراً، وفي ذلك فوائد عدّة.
من الملاحظات التي تعلمتها، ألّا يكون المسؤول في الواجهة في كل شيء، لا بدّ من إعطاء مساحة للزملاء أو المشاركين معه بنفس العمل، يترتب على ذلك أن المسؤولية ستكون جماعية، وليست عليه وحده.
وهنا يخفّ العبء، ويجد مساحة للراحة (إن لنفسك عليك حقاً)، لا يحمل الهمّ الكامل للعمل، بل لكلٍّ مسؤوليته، والنجاح والإخفاق سيكونان جماعياً، وهذا مريح جداً، حتى كونه بإجازة أو عارض صحّيّ فإن العمل قائم.
وكذلك يولّد الثقة بين الجميع، وبناءً على هذه المنظومة فإن الذي سيتجاوز سيكون من الصعب عليه ذلك، (الأمور مكشوفة للجميع).
أيضاً، العمل الجماعي يعطي فرصة للالتفات لأعمال أخرى خاصة، كالعائلة، الأهل، الأصدقاء، وعامة كالهوايات، أعمال جديدة غير ذلك.
الإدارة قد تكون موهبة، ولكنها شخصية قيادية قبل أي شيء، أن تتحلى بالأمانة والنزاهة، ومعرفة ما لك وما عليك، والقرب من الموظفين، سيعرّفك على القادر وعلى غير القادر، و الأهم المسؤول الناجح يعدّ نجاح أيٍّ من مرؤوسيه هو نجاح له، وفي ذلك تفاصيل كثيرة.