2024
Adsense
مقالات صحفية

لم يرحل من قلوبنا

هلال بن حميد المقبالي

في مثل هذا اليوم العاشر من يناير عام ألفين وعشرين للميلاد، استيقظ العمانيون على خبر أليم، عمّ عمان من أقصاها إلى أقصاها، واهتزت له الأرض، خبر صدمتهُ لم يفق منه الكثير من أبناء عُمان إلا بعد أيام من سماع هذا النعي.. “(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).

إلى أبناء الوطن العزيز في كل أرجائه إلى الأمتين العربية والإسلامية، وإلى العالم أجمع، بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وببالغ الحزن وجليل الأسى ممزوجين بالرضا التام والتسليم المطلق لأمر الله؛ ينعى ديوان البلاط السلطاني المغفور له -بإذن الله تعالى- مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، الذي اختاره الله إلى جواره مساء أمس الجمعة 10يناير لعام2020م”.

وها نحن اليوم نستذكر هذا الخبر المحزن الذي مضى عليه عامان، ولكن لا يزال حب الوالد السلطان قابوس -طيب الله ثراه- يحتزن في ذاكرة كل مواطن عماني.

رحل عن الدنيا، ولم ترحل ذكراه عن قلوبنا.
كيف ننساه، ونحن منذ الصغر، وعلى مدى أعوام دراستنا، وفي العمل، وجميع المناسبات نهتف بصوت الحب والولاء “يعيش جلالة السلطان قابوس المعظم، ثلاثًا”، وننشهد “أبشري قابوس جاء”؟ كيف ينسى من طبع على وجوه آبائنا فرحة أمل لمستقبل أفضل، بعد عناء وشقاء، وغربه وتعب، وضنك عيش؟ كيف يُنسى من أباد الجهل وأضاء النور، وبدد الخلاف، وأظهر الود والتفاهم والتلاحم؟ كيف ينسى من وعدنا بحياة أفضل، وأوفى بالوعد قبل رحيله؟

لم أعش فترة ما قبل السبعين، ولكني قرأت الماضي من عيني والديّ رحمة الله عليهما، وعشت معهما الماضي المؤلم الذي عاشوه، من خلال قصص كفاحهما في الحياة، من أجل البقاء فقط، والتي كانا يرويانها لنا ونحن صغار؛ ليعلمونا درسًا في الحمد والشكر، وحبًا للسلطان والأرص، كبرنا وكبر حبنا للأب الراحل -طيب الله ثراه- وانغرس هذا الحب في قلوبنا قبل أن ندخل المدرسة ليزداد بعدها هذا الحب رسوخًا أبديًا، ونحن نشاهد التنمية والتطور يرافقان سنوات عمرنا.

عامان مضيا، وما زالت بعض الألسن تنطق جلالة السلطان قابوس، ثم تستدرك لتغيّر اللفظ إلى جلالة السلطان هيثم.

العاشر من يناير من عام ألفين وعشرين للميلاد، كان الوداع الأبدي بين الشعب والسلطان، واللذان شكّلا تحديًا ثنائيًا لبناء عُمان والخروج بها من العزلة التي كانت تعيشها، وإنهاء الانقسامات الداخلية، و التمرّدات المسلحة، فكان التحدّي صعبًا، و لكن كان للشعب كلمته أيضاً، فلمس في قائده الجدية في الأمر، والتفّ حوله ليشكّل هذا السلطان تحالفاً مع الشعب؛ لإنهاء كل ما يضرّ بأمن البلاد وشعبها، ويؤثر أو يمنع خطوات التقدم والازدهار للوطن والمواطن؛ فكان ذلك، توحدت عُمان وانفرجت الأزمة، ونجح التحدي بين الأرض والسلطان وشعبه؛ فطغى الأمن أركان البلاد، وساد الأمان والهدوء، وتوحدت النفوس، وتعايشت بروح التسامح والتعاون، ونجح التحالف بين الشعب والسلطان في القضاء على كل ما يضر تقدم البلد أيًا كان شكله وأهدافه؛ فصار هذا التحالف أساسًا للبناء والتعمير، وإظهار عمان على خارطة العالم دولةً وُلدت من جديد، بزغ نورها المشرق النيّر الذي أضحى نوره في سماء الأكوان، بعد أن كانت دولةً قد نُسيت في حقبةٍ من حقب التاريخ، بعد أن كانت إمبراطوريةً تسطرت كتب التاريخ، وتصدرت الحكايات الأسطورية العالمية، ويُشار إلى آثارها الظاهرة على الأرض الباقية الخالدة بإشارة الفخر والاعتزاز.

بدأت بعد هذا الفراق المؤلم، مسيرة جديدة بقيادة من أوصى به والدنا -طيب الله ثراه- ليكون خليفتهُ على شعبه، و منجزات وطنه، ليواصل المسيرة، بعد أن أعلن وزير المكتب السلطاني، رئيس مجلس الدفاع هذه الكلمات الموجزة:
“يتشرف مجلس الدفاع الإعلان بأنه تم تثبيت جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد المعظم حفظه الله ورعاه سلطانًا لعمان. حفظ الله عمان وجلالة السلطان”.
ساعات قليلة من إعلان هذا النبأ، ورغم الخزن العميق لفراق من ألفوا وجوده بينهم؛ استبشر العمانيون خيرًا بمن أوصى به ليتولى أمرهم، وكان الشعب وفيًا لهذا الخلف والتفوا حوله مباركين، وموالين له.

رحل جلالة السلطان قابوس عن عالمنا، ولكنه لم ولن يرحل عن قلوبنا، بعد أن أوفى بما وعد، وأنجز ما خطط له، وأن رحيله أوجد لنا ألماً كبيراً، وحزناً عظيماً خيم على عمان وشعبها وعلى العالم أجمع، ولكن ستبقى سيرته الطاهرة في قلوب الشعب نبضاً، وفي أجسادهم روحاً، وفي فكرهم ذكرى، وسيبقى حبه راسخًا في الأفئدة، واسمه تلهج به الألسنة، وتبتهج بذكره النفوس، فأثره باقٍ مهما طوته السنين.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights