طلبتنا بين تكريم المجيدين وتحفيز المتعثرين
راشد بن حميد الراشدي
عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية
في حادثة بإحدى المدارس، ومع تكريم المعلمات طلبتهنّ الأوائل والمجيدين في صفوفهم أمام إخوتهم طلاب ذلك الصف الدراسي؛ انفجرت طفلة يتيمة بالبكاء؛ لأنها لم تُكرم؛ كونها من فئة دون المستوى التحصيلي ؛ ولأن والدها الذي يكرمها قد جاور ربّه.
استوقفني مشهد تلك الطفلة اليتيمة، ومشهد كل الطلاب الذين لم يُكرموا؛ لأنهم دون المستوى التحصيلي، أو لعدم مشاركتهم في الأنشطة الصفيّة، أو لسيكولوجيّة تكوينهم من خجل، أو خوف في التفاعل الصفّيّ؛ لأكتب مقالي لهذا اليوم في هذه الحادثة.
فرسالة المعلم والتربوي هي رسالة سامية، خاصةً في الحلقة الأولى التي حدثت فيها تلك الحادثة، وتحدُث في مدارس عديدة، ألا وهي:
(تكريم المجيدين في الصفوف، والذين يشاركون في الأنشطة الصفيّة والمدرسية)، وهذا شيء جميل ورائع؛ لتشجيعهم على التميّز والتفوّق، ولكن مَنْ لمتوسط التحصيل الدراسي ودون المستوى التحصيلي في تشجيعه ودفعه نحو المنافسة والتفوق، وبناء فكره وطاقاته؟ وقد يكون بين تلك الفئة المجهولة في قدراتها مَنْ نفتخر به في المستقبل القريب بإذن الله.
الطلبة متفاوتون في قدراتهم ومستوياتهم، فلماذا لا نشجعهم؟ ولماذا نلبسهم الإعاقة، ونحيد دورهم في مستوىً واحدٍ دون المحاولة معهم مرات ومرات، حتى ولو بهدية بسيطة تعزّز وجودهم، وترفع قدراتهم بين أقرانهم الطلبة في الصف؟
ما حدث من بكاء الطالبة اليتيمة أو غيرها من الطلبة دون المستوى التحصيلي؛ يدلّ على شيء واحد: أننا يجب أن نُكرم ونحفّز الجميع؛ ليتحقق الصلاح لجميع الفئات والمستويات، ولو في جانب آخر غير المستوى التحصيلي المباشر، كالمشاركة الصفية للطالب، أو في الأنشطة المدرسية، أو في غيرها من الجوانب الأخرى التحفيزية.
نحن لا ننكر جهود المعلمين والمعلمات في مختلف الجوانب والمجالات نحو أبنائهم الطلبة، وتضحياتهم التي هي شرف على رؤوس جميع أولياء الأمور في بذل الغالي والنفيس من أجل إعداد أجيال المستقبل، ولكنني آثرت أن أتطرّق لجانب قد يغفله بعضٌ وينتبه له بعضٌ آخر، وهو أثر التكريم في الطلبة الآخرين، فلكلٍّ قدراته العقلية، والذهنية، والنفسية، واستعداداته الفطرية، وبيئته التي يأتي منها، والتي يجب أن تجد التحفيز؛ ليكتمل الدور الذي يقوم به المعلم.
وهنا أذكر دور أحد المعلمين في مدرسة من مدارسنا، وهي مدرسة في قرية كان يدرُس فيها عددٌ من صفوف الحلقة الأولى، وكان المستوى التحصيلي العام لمعظم الطلبة في تلك المدرسة دون المستوى، وبتحفيزه اليوميّ للطلبة من شراء هدايا بسيطة لطلبته بشكل شبه يومي لكل من يشارك، ولو بكلمة بسيطة، أو بحلّ بسيط في مادته؛ ارتفع المستوى التحصيلي جيدا؛ مما جذب انتباه مدير المدرسة لتلك المادة التي يدرّسها، وذلك الصف الذي أوكل الإشراف عليه (مربي الصف)، وعندما نقلت خدماته إلى مدرسة أخرى؛ بكاه كل طلبته؛ حزناً على نقله.
اليوم رسالتي لكل معلم فاضل كريم، ولكل معلمة فاضلة كريمة: لا تحطموا مستقبل طلبتكم وأحلامهم بتكريم بعضهم، وعدم تحفيز الآخرين؛ فلعلّ الله يريكم خيراً فيمن لم تسعفه قدراته للوصول لمستوى جيدٍ، أو التفاعل في المناشط الصفية والمدرسية.
حفظ الله أبناءنا الطلبة، ووفقهم في نَيل العِلم والتفوق، وبناء الأوطان ورفعتها.
سناو