لا نحكم على المظهر
بدرية بنت حمد السيابية
منذ أيام قليلة كنت موجودة في أحد المراكز الصحية الموجودة في منطقتي وفي أثناء جلوسي للانتظار على كرسي خشبي، جلس ولد صغير بجانبي لا يتجاوز السادسة من عمره، وفي يده جوال، فقلت في نفسي: سبحان الله! يمسك جوالا دون مراقبة، أين والداه أو أحد اقاربة أو مرافق معه؟
ظل الطفل يتأمل ذاك الجهاز الصغير في يديه، ويقلبه يميناً وشمالاً، وظلت عيناي تراقبان هذا الولد، فأخذني الفضول أن اقترب منه قليلا؛ لعلي أجد جوابا وسط زحمة أفكاري.
ولكن للأسف الشديد حان دوري للدخول عند الطبيب وفكري مع ذاك الولد، أتمنى ألا يذهب إلى أي مكان؛ حتى أنتهي من غايتي من عند الطبيب وأعود إليه، فدخلت ومكثت عند الطبيب ما يقارب ربع ساعة يسألني عن حالتي المرضية، وكنت أسرع في إجابته، وكأن الأمر لا يهمني، سوى ذاك الولد حينها، وصف لي الطبيب بعض الأدوية والذهاب للصيدلية؛ لأستلمها، فخرجتُ مسرعة متوجهة إلى مكان الانتظار؛ حيث مكان الولد الصغير.
ولكن للأسف الشديد لم أجده في مكانه، بحثت عنه بين ممرات المركز الصحي متلهفة لرؤيته والجلوس معه قليلاً، وفي أثناء بحثي عنه؛ لمحتُ امرأة في عمر الأربعين تقريبا تمسك يد الولد، كنتُ مترددة لإيقاف هذه المرأه والسؤال عن هذا الولد، ولكني أوقفتها، وسألتها، فقلت لها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردت السلام، ولكن تفاجأت بأن هذه المرأة عمياء، تحمل في يدها عصا طويلة لونها أبيض تستطيع التحكم بها كيفما تشاء في أثناء المشي، وتمسك الولد في اليد الأخرى، فسرحت في تفكيري، واقتربت منها، وسألتها: ما صلة القرابة بينك وبين هذا الولد؟ فردت قائلة: هذا ابني، وهو أعمى منذ ولادته، وعند دخولي للطبيب أعطيته جوالي، ربما ستقولين في نفسك كيف أعمى وأعطيه جوالي؟! – هناك تطبيق خاص للمكفوفين بصريا يعتمد الكفيف في استخدام الهاتف الذكي على لمس الشاشة وسماع كل ما يلمسه عليها، عن طريق خاصية قارئ الشاشة المتوفر في الهواتف والأجهزة اللوحية الذكية، وهي خدمة مدمجة تأتي مع نظام التشغيل، تقوم بتوجيه فاقدي البصر عند استخدامهم الجهاز ونطق ما يُلمس على الشاشة، ومن ثمَّ نستطيع التحكم به.
تغيرت ملامح وجهي ونبضات قلبي تسارعت، لا أعلم ماذا سأقول لها وعن تفكيري منذ شاهدت ابنها؟ فقلت لها: هل تحتاجين مساعدة؟ فردت بكل لطافة، أحسنت، فأنا أبصر بقلبي، وقد تعودت على زيارة هذا المركز الصحي، وسيأتي ابني الأكبر، ويصطحبنا إلى البيت بسيارته، بعد دقائق وصل ابنها الأكبر، وصعدت إلى السيارة، وكأنها ترى العالم بنور قلبها وصفاء ذهنها، بعدها أدركت ألا نحكم على الناس من مظاهرهم؛ ولهذا كنتُ أريد الجلوس والتحدث مع هذا الولد الصغير واقترابي منه؛ حتى لا أسيء الظن به، حقا شعور سوء الظن بالآخرين شعور فظيع، هواجس تسيطر في عقل الإنسان وقلبه، فالظن الحسن يسوده المودة والألفة بعيدا عن الحقد والحسد، وسوء الظن بالناس عادة غير محببة.