ناقوس خطر يدق السنة الهجرية
أحمد بن سليم الحراصي
قبل عامين وبالتحديد في نهاية العام 2019 م، كنت على موعد عمل في مناوبة ليلية تستمر لمدة أسبوع، وبينما أنا أعمل وأكدح في عملي، هناك آخرون في مثل هذا الوقت ينعمون بنومة هنيئة وراحة مليئة، يشخرون ويتقلبون يمنة ويسرة ، قدمٌ في الشرق وأخرى في الغرب، جاءتني مجموعة (شلة) من الأغراب الهنود والبنغال تبدو عليهم ملامح الفرح والبهجة والسرور، وكأنهم في موعد حفل زفاف كبير ثم قال لي أحدهم بلهجة أعجمية ما معناه هل أنت معنا؟ للوهلة الأولى فكرت بأن الرجل يطلب مني الانضمام إلى شلتهم هذه وأتبعهم كسخل رضيع يتبع أمه أينما يدورون بي، أنا ورائهم، فقلت له لا شكرا فأنا لست من محبي هذه الأوركسترا التي تعزفونها، بدت على الرجل علامات الاستغراب والدهشة فقال لي: أنت عماني، ألا تستطيع أن تدفع ريالا واحدا؟ ريالا واحدا؟ من أجل ماذا يا صديقي؟ هذه المرة بدت للرجل علامات الارتياح فقال وهو يرجع صدره للوراء celebration of new year baba، يعني احتفال السنة الجديدة (بابا)، فقلت له: لا بأس يا عزيزي ولكن احتفالات السنة الجديدة هذه لا تخصنا ونحن لسنا أتباع الكنيسة وإنما مسلمون والحمدلله ثم أنك أنت مسلم، ألا تعرف أن السنة الميلادية الجديدة هي احتفالات المسيحية بمناسبة مرور عاما كاملا على ميلاد المسيح (يسوع)، فقال وكأن الذي سمعه لا يعنيه: إذا أردت أن تدفع فادفع ولا تشغلني فأنا ذاهب لأجمع من الآخرين، بالطبع لن أدفع لشيء لا يعنيني إطلاقا وأنت وطاقمك هذا أحرارٌ في الدفع من عدمه، رحل الرجل وقبل أن يرحل باغتني بجملة مانعة وأحسبه يريد أن يغيظني، إذا احتفلنا لا نريدك أن تأتي وتأكل معنا، أضحكني الرجل قليلا ولكنني فضَّلت السكوت؛ لأنني رأيت بأن الرجل يجهل شيئا كثيرا عن هذه الاحتفالات.
بعد يوما كاملا بالتحديد وهو اليوم المنتظر لبداية عام جديد، رأيت الجميع يُحضِّرون الوجبات الخفيفة التي اشترونها وتتوسطها كعكة الميلاد التي زخرفت بشعار الشركة واسمها وكُتب عليها أيضا سنة جديدة 2020 بالإنجليزية، كانوا جميعهم كصائمين ينتظروا الأذان للإفطار أمام فطورهم، تتدلى كروشهم أمام الطاولة وتسيل ألسنتهم لعابا، وعندما دقت الساعة الثانية عشر من منتصف الليل والإعلان عن السنة الجديدة، فجر أحدهم البالونات المنفوخة ونثر الورود بمختلف ألوانها وأشكالها لتتساقط على روؤسهم وأجسادهم، كان المشهد كحفل منظم تنظيما رائعا، كنت أظن بأنهم فقط سيقطعون الكعكة ويحتفلون احتفالا بسيطا ولم أكن أعتقد بأن الحفل على مستوى عالمي، ربما جمعوا فيه مالا قد يصل إلى ال50 ريالا وربما أكثر، فما الطائلة لهذا؟ خاصة وأن غالبيتهم مسلمين من الجالية الهندية والبنجلاديشية.
إن هذا ينم عن جهل واضح وصريح للتعاليم الإسلامية وهذا الجهل للأسف ينمو كثيرا بين كل سنة وأخرى، فلم تنفع فتاوى مشايخ العلم والدين في ردعها حتى ظن بعضهم أنها عادة فما يحدث هو تهشيم للهوية الإسلامية فمن غير المعقول أن نعتبر أعياد الشرائع من اليهودية والنصرانية أعيادا لنا نحن كمسلمين، فهم يحتفلون بأعياد الميلاد (الكريسماس) وهو ميلاد المسيح في ال25 من ديسمبر من كل عام ويحتفلون بالسنة الجديدة في الأول من يناير وهي أعياد خاصة بهم فلم تكن متعلقة بالمسلمين يوما فهم من وضع التاريخ الميلادي وهم من وضعوا هذه الأعياد، أما أعيادنا فهي أعياد هجرية والجميع يعرفها تعتمد على دورة القمر لتحديد الأشهر، فلماذا جعلنا الاستعمار والسيطرة الغربية نرضخ لهم و ننسى تاريخنا الهجري؟ هل لأنهم وجدوا أنفسهم أمام جمهور من العرب المسلمين الضعفاء وراهنوا على بقاء ترسيخ تاريخهم الميلادي حتى بعد انتهاء مدة الاستعمار؟ فنحن لا نزال نستخدم التاريخ الميلادي في كثير من معاملاتنا اليومية، في أعمالنا، في تواريخ ميلادنا ووفاتنا، في تواريخ رواتبنا الشهرية، في عقود الزواج وفي عقود البيع والشراء، لا يزال التاريخ الميلادي كابوسا لا يتراجع عن تضييق راحتنا والاعتزاز بعروبتنا وديننا، فمتى سنقضي عليه ونرجع للتاريخ الهجري الذي أكاد أجزم بأننا لم نكن لنعرفه لولا وجود شهر رمضان وأشهر الأعياد ولكن لطف الله بنا وأنقذنا من براثن الغرب.
دولتان إسلاميتان فقط من أصل 56 دولة إسلامية تستخدمان التاريخ الهجري كتقويم أساسي (السعودية والمغرب)، مقارنة بالدول الأخرى التي تستخدمه كتقويم ثانوي وهذا شيء عُجاب، فلماذا لا نستخدم التاريخ الهجري ونعتمده، فجميعنا يعرف بأن التاريخ الهجري وضعه عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- وهو كناية عن هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة المنورة فلماذا نتخلى عن هذا الإرث العظيم وننساه؟ ومع هذا لا نزال مستمرين فنحن نجهل تواريخ ميلادنا الهجرية، وحتى تاريخ اليوم الهجري إن سألتكم فأنا متأكد بأن قلة قليلة من تعرفه، فالكثير منا لا يعرف التاريخ الهجري إلا في أواخر شعبان وشهر رمضان والأول من شوال والعاشر من ذي الحجة وأما باقي الأشهر الهجرية مجرد تكملة عدد مهمل ليس إلا ولو سألت الكثيرين عن أسماء الأشهر الهجرية لجهلها بعضنا، فماذا نُسمي هذا؟ متى ستنتبه الدول الإسلامية لسباتها هذا؟ متى ستنقذ أبناءها من تتبع خطوات الغربيين؟ ومتى ستعلمهم كيفية الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم الإسلامية وتلزمهم عن عدم تخطي خطوطهم الحمراء؟
كلها أسئلة سيجيبها من أراد اليقظة واللحاق بالركب.
تثبيت التاريخ الهجري كتقويم أساسي أصبح حاجة ملحة للحفاظ على الإرث الإسلامي والأجيال القادمة، فتقويم التاريخ الهجري أقل من تقويم التاريخ الميلادي وهو تسهيل للكثير من المعاملات كتاريخ استحقاق الرواتب الشهرية فبدلا من 30 يوما يكون الراتب في 28 يوما أو 29 يوما فلطالما كان الدين الإسلامي دين يسر وليس عسر فلماذا نُعسٌّر على أنفسنا؟ كما أن التقويم الهجري يُعلِّم المسلمين الانضباط والادخار و كذلك معرفة مواقيت الحج والزكاة وغيرها الكثير، فأنا أرى بأننا بحاجة إلى هذا التقويم الهجري حاليا عن أي وقت مضى؛ وذلك لأننا في زمن يتطور بسرعة ويقضي على التقاليد التي لا يتمسك بها أصحابها جيداً وما سمعناه عن تأخير خطبة صلاة الجمعة في بعض من الدول خير دليل على ذلك، فماذا نحن فاعلون؟ وما الذي سيؤثر لو استبدلنا التقويم الهجري كأساسي؟ فأنا لا أراه مؤثرا في الدول التي بقيت عليه، فيا ليت القوم يعلمون.