الحقوق الزوجية في الإسلام (٢)
د. عبد الحكيم أبوريدة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فلقد تناولنا في مقالٍ سابقٍ حث الإسلام على الزواج، وبينا أنه من سنن الأنبياء، وسنتعرف في هذا المقال على حق من الحقوق الزوجية في الإسلام، والحق أن الحقوق الزوجية في الإسلام متعددة، فمنها ما يخص الزوجة، ومنها ما يخص الزوج، ومنها ما يتشاركان فيه معا، فمن أول الحقوق التي أوجبها الإسلام للزوجة: (حق المهر)، والمهر هو ما يدفعه الزوج لزوجته عند عقد الزواج معجلًا أو مؤجلاً، كله أو بعضه، قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [ النِّساء:4]، أي أعطوا النساء مهورهن كاملة عطيّة واجبةً وفريضة لازمة، كما أن للمهر عدة مسميات أخرى، منها الصداق والأجر والطَول، وكلها بمعنى واحد، ولابد في الزواج من مهر قلَّ أو كَثُر، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل:( التَمِسْ ولو خَاتَمًا مِن حَدِيدٍ). البخاري ( 5135 )
ولا يعد المهر ركنا من أركان الزواج، ولا شرطًا من شروط صحته، فالزواج يكون صحيحا؛ حتى ولو لم يسمَّ المهر، وإنما يجب المهر بالطلاق أو الموت أو الفسخ أو الخلع، ولو مات الزوج قبل أن يعطي زوجته صداقها، اُخذ من تركته قبل أن تقسّم إن سمّى لها المهر، وإن مات، ولم يسم لها المهر، فلها مهر المثل.
ولا حد لأقل المهر ولا لكثرته، بل يرجع ذلك لعرف الناس ولعاداتهم، كما يرجع لعسر الزوج أو يسره، يقول الله تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍۢ مِّن سَعَتِهِۦ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُۥ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا ۚ سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍۢ يُسْرًا).[ الطلاق :7]، وقد أراد سيدنا عمر -رضي الله عنه- أن ينهى الناس عن التغالي في المهور، وأن يجعل مقدارًا معينًا لا يزيد الناس عنه، فقال: (ألا لا تغالوا في صدقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله؛ لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه، ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية)، فقامت إليه امرأة، وقالت: مهلا يا عمر، أيعطينا الله وتحرمنا أنت، ألم يقل الله تعالى: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارً…).[النِّساء:من الآية 20]، فقال عمر مقولته المشهورة: كل الناس أفقه من عمر -رحمه الله- كان وقافا عند كتاب الله، إلا أنه يستحب عدم المغالاة في المهر؛ وذلك تيسيرا على الراغبين في الزواج، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً، وفي لفظ (إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً). شعيب الأرناؤوط ( 24529)، واللفظ عام في المهر ونفقات الزواج.
فهذه رسالة من رسولنا الكريم إلى الأولياء أن ييسروا على الشباب في المهور، ولا يتغالوا؛ لأنه متى سهُلَ الحلال ابتعد المسلم عن الحرام، ولقد شاهدت بأم عيني رجلا له ابنتان كانتا في سن الزواج، وكلما تقدم إليه كفء تغالى عليه في المهر إلى أن فاتهما قطار الزواج، ومات والدهما، وأصبحتا بلا عائل من أب أو زوج، وظلتا ترددان لا سامح الله أبانا؛ حرمنا من الزواج، ومن مُتع الدنيا.
وليكن نصب عين الآباء والأولياء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا جاءكم مَن ترضَوْنَ دِينَه وخُلُقَه فزوِّجوه إلَّا تفعَلوا تكُنْ فِتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ». الطبراني( 7/131)
فكم من فقير وسّع الله عليه بعد الزواج!
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.