المقاومة العمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي (( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
أحمد بن علي المقبالي
الجزء السادس والثلاثون: –
استعرضنا فيه العلاقات العمانية الهولندية في عهد اليعاربة.
الجزء السابع والثلاثون: –
مقالنا لهذا اليوم إن شاء الله تعالى سوف يكون عن العلاقات العمانية البريطانية في عهد اليعاربة.
لم تكن العلاقة بين الإنجليز والعمانيين في هذه الحقبة الزمنية بالمعنى الكامل لمفهوم العلاقات بين الدول ولكنها كانت شبه علاقة يغلب عليها الطابع الودِّي ولكن قد يحدث توتر بين الجانبين أحياناً لسوء الفهم ووصلت في بعض المراحل إلى حدّ الصدام المسلح.
– عام ١٦٠٠م بدأت العلاقة العمانية الإنجليزية بسبب الترخيص الذي حصلت عليه شركة الهند الشرقية للعمل في الهند وقد تمّ بناء أكبر سفينة إنجليزية بحرية معروفة في ذلك الوقت بحمولة ١٠٠ طن وأُرسلت هذه السفينة للشرق بقيادة السير هنري ميدلتون في نفس العام وفي عام ١٦١١م تم إرسال أربع سفن أخرى للشرق بقيادة الكابتن سواريز وانطلق من بانتام PANTAM .
وفي العام التالي أي عام ١٦١٣م قدِم إلى الهند خصوصاً مستر ستيل في مهمة اقتصادية بحتة واقترح ضرورة فتح باب التجارة مع بلاد فارس،
كما تم إرسال بعثة إنجليزية إلى منطقة فارس وساحل عمان ومسقط. وقد زار كروتر مسقط وكنج وبوشهر وأصدر تقريراً يقول بأن ميناء جسك الذي يتسع لرسوّ السفن ذات الحمولات الثقيلة من ٥٠٠ الى ٦٠٠ طن أفضل مكان للتجارة الإنجليزية.
– عام ١٦٢١م قام أسطول إنجليزي مكوّن من تسع قطع قادماً من سورات الهندية إلى الخليج حيث أقاموا لهم مركزاً في غاية القوة في جومبرون (بندر عباس) وفي العام التالي تطورت العلاقات الإنجليزية الفارسية ونشأ نوع من التحالف ضد الوجود البرتغالي في المنطقة فهاجم الفرس بمساعدة الإنجليز قلعة قشم وهرمز وتمكنوا من طرد البرتغاليين منها.
– عام ١٦٢٤م طلب الفُرس من الإنجليز مساعدتهم في مسقط والبصرة، وقد رفض البريطانيون ذلك الطلب، اعتقد أو تصوّر الفُرس بأن المساعدة الإنجليزية سوف تستمر لفترة طويلة ولكن خاب أملهم في ذلك.
– عام ١٦٣٢م اعترض الإنجليز على خطة الفُرس لغزو عمان ورفضوا تقديم المساعدة لهم كردّة فعل على رفض الفُرس بناء الإنجليز لحصنٍ لهم في هرمز وذلك نتيجة فتور العلاقة بين الجانبين.
– عام ١٦٥٩م اقترح مندوب أعمال الشركة في ميناء سورات مستر ويتش بناء حصن في مسقط يحميه مائة جندي لتكون مركزاً لسفنهم وتجارتهم وتمّ التفاوض مع الإمام سلطان بن سيف اليعربي عن طريق كولونيل ريتر فورد بخصوص الاقتراح ولكن الإمام رفض الطلب الإنجليزي.
– أخذ الإنجليز ينظرون بحذر شديد إلى تزايد قوة الأسطول العماني الذي أصبح يضرب أينما يشاء وفي أيّ منطقة يتواجد فيها البرتغاليون، فقد أغارت القوات البحرية العمانية على منطقة كنج وتم الاستيلاء على سفن أرمنية وهددوا بندر عباس مما أرعب المسؤول الإيراني هناك وطلب من سفينة بريطانية البقاء في الميناء لتحمية من الأسطول العماني ولمدة ٢٠ يوماً فتمت الاستجابة لطلبه ولكن هذا الاتصال بين العمانيين والإنجليز أعطى نوعاً من الحرص المتبادل على عدم الصدام.
– شبّه وكيل الشركة الهندية في فارس العمانيين بحركة الجهاد المغربي في حوض البحر المتوسط فقال: –
(( إن العمانيون سيصبحون طاعوناً في الهند كما أن المغاربة طاعوناً في أوروبا ))
– استولى قراصنة هنود على سفينة عمانية فانتقم العمانيون من السفن الإنجليزية الخاصة وليست السفن التابعة للشركة الهندية ويبدو بأن العمانيين كانوا يمتلكون القدرة على التفريق بين سفن الشركة الإنجليزية وبين سفن صغار التجار الذين لا تكفل حمايتهم.
– مع تزايد الوجود البريطاني في المنطقة ونموّ قوة الأسطول العماني حدث ما سعى الجانبين لتجنّب حدوثه، فقد وقع اشتباك بين قطع من الأسطول العماني في عهد الإمام سيف بن سلطان الأول وسفينة إنجليزية تابعة لإحدى الشركات الإنجليزية وكانت تبحر من ماوسلبياتم Masulepatm إلى بمباي تحت قيادة الكابتن البريطاني هايد واعترضتها البحرية العمانية ودارت رحى معركة عنيفة استمرت فتره طويلة وكانت نتيجتها مقتل ١١ بحاراً إنجليزياً وجرح ٣٥ آخرين ولكنها استطاعت الفرار واتجهت إلى جوا للإصلاح.
– ورغم هذا الحادث الخطير إلا أن العلاقات استمرت ودّية بين الإنجليز والعمانيين.
وفي عام ١٦٩٧م اتّهم البرتغاليون الإنجليز بتقديم الأسلحة للعرب وأن الضباط الإنجليز يقودون سفن الأسطول العماني وهذا بلا أدنى شكّ اتهام باطل لكي يغطّي البرتغاليون على سحقهم تحت ضربات الأسطول العماني القوي.
– اتخذ الإمام سيف بن سلطان قراراً بمنع سفن الأسطول العماني من التعرض للسفن الإنجليزية أو بحّارتها سواء كانوا في الخليج أو المحيط. وبناءً على هذا الموقف نرى بأن الأسطول البريطاني التزم الحياد في معارك الأسطول العماني مع البرتغاليين أو الفرس وبهذا نجح الإمام في إبعاد الإنجليز عن التحالف مع الفرس والهولنديين ضده وكسب موقفهم الحيادي وقد نجح التكتيك العماني.
– في أواخر عام ١٦٩٧م شنّ عدد من قطع الأسطول العماني هجوماً على إحدى السفن الإنجليزية وتسمى لندن ومملوكة لمستر أفليك مما أدى إلى إصابة عدد من بحارتها بجروح ويقال بأن العمانيين أجبروا طاقم السفينة للاشتراك معهم في إحدى معاركهم مع البرتغاليين ومن رفض من الإنجليز تم تقييده بالحبال ووضعه على ظهر السفينة بشكل استعراضي بهدف إخافة البرتغاليين وإرعابهم وتحطيم معنوياتهم ولكن لم يرضَ الإمام عن هذه العملية خاصة وأن السفينة الإنجليزية كانت تجارية ولكنه علم بأن الإنجليز أسروا إحدى السفن التابعة لأسطوله فغضب لذلك وأعلن مصادرة السفينة لندن.
– هدد الإمام سيف الإنجليز بالحرب إذا حاولوا استرداد السفينة لندن كما قام الأسطول العماني بالاستيلاء على سفينة يقودها الكابتن موريس وأخذوه ورجاله أرقّاء ولم يستطيعوا افتداء أنفسهم أبداً.
– أفزعت تصرفات الإمام سيف الإنجليز وخشوا أن يتحول الأسطول العماني ضدهم بعد قضائه على البرتغاليين خصوصاً وأنهم تلقّوا تقارير تفيد باستعدادات تجري في الأسطول العماني لمهاجمة المراكز الإنجليزية حتى لا يتعاظم التواجد الإنجليزي في المنطقة وحتى يكون الأسطول العماني سيد المنطقة المطلق لذلك وردت تعليمات من لندن بضرورة تحصين قلاع بمباي ضد أي هجوم عربي مهما كلف الثمن.
– عام ١٧٠٤م أرسل الوكيل الإنجليزي في جومبرون تقريراً يقول فيه: – (( إن الأسطول العربي قد قام بعملية إعاقة للتجارة الإنجليزية في الخليج وأن هذه الأعمال للأسطول العربي قد تجعل الفرس يمتنعون عن دفع المستحقات والضرائب للشركات الإنجليزية )) وفي نفس العام كتب حاكم مدراس تقريراً قال فيه: – (( إن الأسطول العربي ما زال يجوب ساحل الكوردمندال Cardmandal على شواطئ الهند الغربية كما أنه يعوق حركة الملاحة والتجارة في هذا الساحل))
– عام ١٧٠٥م قام الأسطول العماني بالاستيلاء على سفينة بنغالية يقودها الكابتن ميرفال محملة بالخيول متجهة إلى إيران حيث يقول مستر لوكير: (( لقد علمت أن الأسطول العربي قد قام بأسر واحدة من أعظم السفن المحملة بالبضائع والتي تعمل من ميناء كلكتا تحت قيادة الكابتن ميرفيل )) وقد أعلنت الشركة الإنجليزية بتسليح السفن فور الانتهاء من الحرب مع فرنسا وذلك لتطهير البحار وقطع دابر هؤلاء القراصنة من أعراب مسقط.
– عام ١٧٠٧م وقعت سفينة تجارية إنجليزية اسمها دياموند Diamond في قبضة الأسطول العماني أثناء إبحارها من بمباي إلى جومبرون (( بندر عباس )) كما أسر الأسطول العماني في هذه الفترة عدداً من السفن والقوارب الفارسية وسيطر على معظم الجزر في الخليج العربي
((ويبدو أن الأسطول العماني أصبح خطراً ليس على البرتغاليين فقط وإنما على الإنجليز والهولنديين والفرس بسبب امتلاك عرب عمان لأسطول ضخم وقوي ومزود بأحدث الأسلحة )).
مقالنا القادم إن شاء الله تعالى سنستكمل فيه حديثنا عن العلاقات العمانية الإنجليزية
المصدر: –
– اليعاربة أمجاد وبطولات
المؤلف: –
الدكتور أيمن محمد عيد