لا تغضب
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
يعرّف الأطباء النفسيون الغضب بأنه إحدى الوسائل التي يعبر الشخص بها عن عدم الرضا، وهو يأتي في كثير من الأحيان نتيجة للضغوط الحياتية المختلفة، ويمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى حد ارتكاب الجرائم.
ويمكن أن يكون وراء نوبات الغضب الشديد أسباب داخلية، مثل: أمراض ارتفاع ضغط الدم، والسكري، والجوع، والألم، وبعض التغيرات الهرمونية، وأيضا الوصول إلى سن اليأس بالنسبة للنساء، وعند انتهاء مفعول المسكنات، أو المخدر، وبعض الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق، وكذلك إعجاب الشخص بنفسه، يمكن أن يصاب بنوبات الغضب الشديد، وعدم إعجابه بأي شيء حوله، والمزاح المفرط مع الآخرين.
وهنا نقول لا تغضب؛ فالغضب نهايته وخيمة، ويسبب أمراضا عديدة، فإن كنت تبحث عن حياة سعيدة عليك الابتعاد عن أسباب الغضب، نعم، هناك أسباب تغضب الشخص بسبب التعامل مع البشر، ولكن تذكر دائما أن الغضب لن يجلب لك إلا السوء والخسران.
لا تقحم نفسك في جدال عقيم، وكما أسلفت في مقالين سابقين: الأول بعنوان “تجاهل تسلم”، والثاني “لا تتسرع”، ومقال اليوم الذي أضعه بين يديك – عزيزي القارئ – “لا تغضب”؛ فالغضب يؤدي إلى تصرفات جنونية أحيانا، وعليك أن تتحكم في عواطفك ودوافعك، فأنت في كل الأحيان مسؤول عمّا يحدث لك ولغيرك، فلا تغضب.
الغضب يؤدي إلى تسارع نبضات القلب، وكذلك ارتفاع ضغط الدم، والكثير من الأمراض كما أسلفت، عش الهدوء والسكينة؛ لكي تكسب راحة البال والطمأنينة.
لا تغضب فقد تخسر من حولك، أهلك، أصدقاءك المقربين، زملاءك في العمل، ستخسر علاقاتك حتى أعز الناس، ومن هم؟ أفراد أسرتك.
الشخص الغضبان يستاء من حوله منه، ويصبح منبوذا غير مرغوب فيه، والغضب يقودك إلى العزلة، فلا أحد يحب مجالستك، ولا يطيق التعامل معك في كل الأحوال.
تعلم أن تنتقي كل كلمة تتفوه بها، وأن تتوقع عواقبها قبل إطلاقها، فالكلمة كالرصاصة تخترق القلوب، فإن كانت حسنة أحبوك، وإن كانت سيئة كرهوك؛ لذلك فكر، ثم فكر، ثم فكر، فلا ندم ينفع، وأحيانا لا يُقبل منك اعتذارٌ.
سيأتي يوم من الأيام، وستلاحظ أن كل التصرفات التي قمت بها لا جدوى منها، فلمَ الغضبُ ولمَ التسرع ولمَ كل هذا الاحتقان؟
كن مبتسما ودودا لطيفا في تعاملك، وتقبل كل ردة فعل؛ فالناس ليسوا كبعضهم بعضا، ولا تنتظر المعاملة الحسنة من الجميع مهما أحسنت لهم، توقع كل شيء، وتقبل كل نقد، وعليك بسعة الصدر؛ لكي تنعم بالهدوء والسكينة.
لست الوحيد بين البشر من يتعرض للإساءة والنقد والتنمر، فلا تتذمر دائما، كن إيجابيا، تعامل مع الأحداث بعقلك أكثر من التعامل معها بقلبك، فالقلب تحكمه العاطفة، والعقل تثبته الحكمة، وكما قال الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم:” ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ”. (صحيح البخاري: 6114 )
الغضب جَمرة يُلقيها الشيطان في قلب ابن آدم، فيستشيط غضبًا، ويحتمي جسده، وتنتفح أوداجه، ويحمر وجهه، ويتكلم بكلام لا يعقله أحيانًا، ويتصرف تصرفًا لا يعقله أيضًا.
أحيانا يغضب الإنسان على أبنائه، حتى يصل به الحال أن يستخدم العنف والضرب، ويتطاول على زوجته بالضرب والإساءة، وكثيرا ما يحدث ذلك بسبب الغضب؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان في قوله: “لا يَقضِيَنَّ القاضي بيْنَ اثنَينِ وهو غَضْبانُ “. (سنن الدارقطني: 4469)؛ لأن الغضب يمنع القاضي من تصور المسألة، ثم من تطبيق الحكم الشرعي عليها؛ فيهلك، ويحكم بين الناس بغير الحق.
لذلك نقول: لا تغضب، فلا ينفع الندم، والندم لن يعيد لك ما فقدته، عش حياة سعيدة خالية من الغضب، كن قويا صبورا، تردد كثيرا قبل التفكير في الغضب، فكر في نفسك كيف ستكون حياتك بعد أن تفقد أحبتك بسبب الغضب؟ “لا تغضب”.