تجاهلْ تسلمْ
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
نتعرض في بعض المواقف إلى الإساءة نتذمر بسببها، ونشغل بالنا كثيرًا، نقسو في ردودنا بطبيعة حالنا كبشر، ونبحث عن طرق وسبل عديدة لرد الاعتبار، ولكن ما الفائدة المحصلة بعد ذلك ؟
بالتأكيد لن نتحصل على أية فائدة، ونصغر في عيون الآخرين بسبب تصرفاتنا، ونعلم علم اليقين أن المشاكل لن تحل بالرد على المسيء بالمثل، ونقول: لا تقابل الإساءة بمثلها، ولا ترد الشر بالشر، وإلا ستكون قد اشتركت مع الشرير في شره. ولن ينتهي أي خلاف بمثل هذه الردود، بل سيأتي الرد من الطرف الآخر، وسيصل الأمر بينكما إلى طريق مسدود لا نهاية له، ومنْ يتجاهلْ يشترِ راحة البال، ونقول: تجاهلْ تسلمْ.
هنا لا نقصد السكوت عن الخطأ، ولكن يجب أن نحكم عقولنا بين من يستحق الرد، ومن لا يستحق، وتجاهل أي مشكلة لا يعني أنها غير موجودة، لكن في بعض الأمور لا تحل إلا بالتجاهل والتنازل أحيانا.
من لا يتقن فن التجاهل سيخسر الكثير، أولها العافية، ويقال: تجاهل من يحاول استفزازك؛ لتستفزه أكثر .
يقال: امضِ كأنك لم تسمَع، اصمُت كأنك لمَ تفھَمْ، تجاهل كأنك لم تَر، وانسَ كأنك لم تذكر؛ فبذلك ستنال حياة هادئة جميلة وتعيش مرتاحًا.
ومن الأقوال التي أعجبتني: التجاهل وقت الغضب ذكاء، والتجاهل وقت المصاعب إصرار، والتجاهل وقت الإساءة تعقل، والتجاهل وقت النصيحة البناءة غرور، فانتبه متى تتجاهل؛ ولكي تنجح في حياتك فإنك تحتاج إلى أمرين: التجاهل والثقة.
التجاهل انتقام راقٍ، وصدقة جارية على فقراء الأدب، التجاهل أفضل رد فعل تجاه أشخاص لا ينفع معهم الكلام.
والكثير الكثير قيل عن التجاهل، لا يسعنا ذكره، ولكن لنستفد من تجارب الآخرين وخبرتهم في الحياة، ولنقرأ كثيرًا عن هذا الفن العظيم الذي لا يتقنه كثير من الناس.
قليلا من يتمتع بالهدوء والقدرة على الصبر، ولا يصل إلى هذه المرحلة إلا الواثقون من أنفسهم، فالثقة بالله، والقضاء والقدر، والإيمان بأن الأحوال لن تتغير إلا بإذنه، والرزق دائما بيد الله، فقط يحتاج منا إلى سعي وجهد، فلو وضع الإنسان ذلك في عقله ونصب عينيه، سينعم بحياة هادئة لا ضوضاء فيها، ولا منغصات .
فقط عليك بالتجاهل لمن يستحق التجاهل، ستواجه في حياتك مختلف الشخصيات، فلا تتسرعْ في الحكم، ولا تعطِ الثقة، كن حذرًا وتريث، كن كثير الاستماع قليل الكلام، لا تجاوب عن كل الأسئلة، بل تصنّع عدم الفهم في حال شعرت بأن الحديث بلا هدف، فالتجاهل أبسط شيء تفعله عندما تتزاحم حولك التفاهات، وبالتجاهل تقدم درسًا من دروس الأدب لتعليم بعضنا أدب الحوار .
عش حياتك كما تريد، تجاهل المحبطين، ومن يُملون عليك ما تقول، وما تفعل، ويتدخلون في حياتك واختياراتك، فهي حياتك أنت لا دخل لهم فيها .
التجاهل لا يعني هروبا، إنما نردد، ونقول: تجاهل من يستحق التجاهل، وإن أتقنت التجاهل ستتجاوز نصف مشاكل حياتك، ومن الحكمة أن تستمع، ثمّ تبتسم، ثمّ تتجاهل، ولا يجب عليك أن تنظر لكل مشكلة أنها مشكلة لا يمكن تجاوزها.
نقول “تجاهلْ تسلمْ” ويقال : نحتاج إلى خمسة أمور في حياتنا؛ لكي ننجح في حلّ المشاكل: الثقة في النفس، والإصرار على التنفيذ، والتفاؤل كل يوم، وعدم مقارنة الذات مع الآخرين، وتجاهل المحبطين.