الحركة النسويه الجزء الثالث ”الحركة النسوية في العالم العربي“
كاذية البيمانية
إن العلاقة العدائية القائمة على التنافس الحضاري والندية علاقة متجذرة في التاريخ الإنساني بين الشرق الإسلامي والغرب، امتدت لأكثر من 14 قرناً، حيث كانت الدولة الإسلامية في أوج قوتها تحاول تخليص الشعوب المقهورة من ظلم الدولة البيزنطية والدولة الفارسية في قارتي آسيا وأفريقيا، وجزء من أوروبا، فكانت هناك تصادمات عسكرية بين الطرفين؛ مما نشأ عنه اعتداءات على الثغور الإسلامية أيام الخلافة العباسية، بالإضافة إلى الحملات الصليبية خلال الفترة (490-1272م)، ونتيجة لهذه العلاقة فقد تولد لدى هذه الحملات فكرة التغريب في الدول العربية والإسلامية، فقد ظهر لديهم أن الأسلوب العسكري غير مجدٍ، فبدأت تتشكل مرحلة علاقة جديدة قائمة على المراوغة من خلال ممارسة التغريب القائم على ثلاثة محاور رئيسة الاستشراق، والتنصير، والغزو الفكري.
يعتبر لسقوط الدولة العثمانية آخر محافل الخلافة الإسلامية على أعقاب الحرب العالمية الأولى الدور الأبرز في ظهور الحركات النسوية في العالم العربي والإسلامي، فكانت البداية برغبة الدول العربية أن يكون هناك نقل للثورة المعرفية في الغرب إلى الدول العربية بهدف الإعداد للحروب ضد الأعداء ولحماية الدول، فأخذت ترسل البعثات إلى الدول الأوربية، وفي بعض الأحيان عمدت إلى استقدام أساتذة وخبراء غربيين للتدريس في المعاهد العلمية، وكان الاتصال مقتصر على الجانب المادي في مجال المعارف وإيصال العرب والمسلمين بأسباب القوة، مع أن هذا لا يتعارض مع الإسلام؛ لأنه نوع من الإصلاح إلا أن الأمر تطور للحاجة لترجمة الكتب الأوربية في مختلف العلوم والفنون، فزادت عملية البعثات والاستقدام من الغرب للترجمة، وحصل ما لم يتوقع، فبعض المبتعثين تأثروا بالحضارة الغربية التي أصبحت المعول الذي يغرس به بذور التغريب في الدول العربية، فكانت بداية المطالبة بتحرير المرأة، فكانت البداية من تركيا، ثم لبلد الأزهر الشريف، فمن أبرز هؤلاء الدعاة رفاعة الطهطاوي الذي نادى بجرأة تعليم المرأة، تحديد الطلاق، واختلاط الجنسين حيث نفى في كتابه “تخليص الإبريز ” أن يكون الاختلاط والتبرج سبباً في الفساد، أو أن يكون دليلاً على التساهل في العرض؛ لان النساء المحصنات لا يخشى عليهن من شيء، وبالتالي فالفساد مرجعه إلى التربية، وأيده قاسم أمين الذي يعد من أبرز الداعين إلى تحرير المرأة من التقاليد، وبخاصة الحجاب مما أثار ضجة كبرى بدعوته في مصر والبلدان العربية، وقد عمد إلى كتابة عدة مؤلفات في سبيل نشر أفكاره- منها تحرير المرأة، والمرأة الجديدة – حيث طالب بأن تكون المرأة المصرية مثل المرأة الغربية في الحقوق والتعليم، فالمرأة تشكل نصف المجتمع؛ وبالتالي لابد من الاستفادة من طاقتها، والتعليم يساهم في إعداد أم قادرة على تربية الأبناء، كما أنه يجعلها قادرة على المطالبة بحقوقها التي لا تتعارض مع الشريعة، فاعتبر الجهل هو سبب ما هي عليه من قهر وظلم، وعرف الحجاب على أنه ما يقصد به ستر أجزاء الشهوة في المرأة؛ وبالتالي الشريعة اقتصرت على إظهار الوجه واليدين، أما النقاب والبرقع فهذا أمر مبتدع لا أساس له من الصحة، والحجاب بالطريقة هذه قد يؤدي إلى الكثير من المفاتن، فالمرأة تبدي مفاتنها من خلال حركاتها وإظهار أجزاء من جسدها كالعينين، إضافة إلى ذلك فإن هذا النقاب يؤدي إلى غبن المرأة في الأحكام القضائية نتيجة لأن القاضي يحكم دون أن يرى الشخص الماثل أمامه في القضية فهو مخفي الوجه، وذكر أن هذا الحجاب خاص بنساء النبي عليه الصلاة والتسليم، وواجب عليهم وليس بواجب على نساء المسلمين، بدليل قوله تعالى في سورة الأحزاب – آية 32: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}.
والتقيد به من جانب الأسوة لمن يريد فقط، والقول بأن الحجاب موجب للعفة وعدمه موجب للفساد هذا لا دليل عليه، ولا توجد إحصائيات على الجرائم التي تحدث في البلاد التي تكثر فيها المحجبات أو البلاد الأخرى التي تتمتع بحريتهن، وقال إن الدول التي يكثر فيها الاختلاط يكسب المرأة عفة أكثر أمام المثيرات، ويقوّي قدرتها وقدرة الرجل على مقاومة الشهوات، بعكس الدول التي تمنع الاختلاط تكون أكثر عرضة للمفسدة، هذه بعض القضايا التي تطرق إليها قاسم أمين في كتابه تحرير المرأة، وبالطبع يمكن الرد عليه بأن موضوع الاختلاط يثير الكثير من الفتن والإنسان بطبعه وبفطرته ميال لذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) وصححه ابن حبان والحاكم ، فتأويل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: لا ثالث لهما، ولم يقل لا غالب لهما كما قالته إحدى الممثلات هو تأويل بلا بينة، فالحديث عام للرجال والنساء، ويرد عليه بأن كلمة كل من رجل وإمرأة نكرات في سياق النهي، وهي تدل على العموم، وبالتالي فالحديث يشمل كلا الجنسين سواء كانوا مؤمنين واثقين بأنفسهم أم ليسوا كذلك، كما ذكر أن المحجبات أكثر عرضة للضعف أمام المثيرات فهذا قول بغير دليل عليه، وبالنسبة لقوله إنه لا توجد دراسات على كثرة المفاسد في الدول التي يكثر فيها التبرج وترك الحجاب فهذا غير صحيح البتة، والكل مطلع على الجرائم التي تكثر في هذه الدول بسبب السفور ونبذ الحجاب وما تتعرض له النساء من مضايقات؛ وبالتالي كَثُرَتْ الفواحشُ فيها.
وبدأت تظهر النساء المؤيدات لهذا الفكر في ظل الظروف التي تهيأت لهن، ومن أبرزهن أمينة سعيد التي وصفت الحجاب بأنه لبس قبيح، وأخذت الحركة النسوية تنشر إلى الدول العربية، فكانت “نظيرة زين” اللبنانية أول من نادت بخلع الحجاب في كتابها “السفور والحجاب 1928م”، وأخذت الحركة النسوية تنشر سمومها في الدول العربية في المغرب العربي ودول آسيا حتى كادت لا توجد دولة واحدة خلت منها .
ومن هنا نجد أن الحركة النسوية في واقع العالم العربي ما هي إلا امتداد للفكر النسوي الغربي بسبب انفتاح العالم العربي على أوروبا، نتيجة لما نقله بعض أبناء المسلمين الذين فتنوا بالحضارة الغربية، وظنوا أنه نموذج لابد أن يقتدى به في التحضر والتطور، هذا إلى جانب ما خلفه الاستعمار من آثار ظهرت في بناء الأسرة العربية المسلمة وانعكس على بناء المجتمع المسلم، والذي ساندته المواثيق والمؤتمرات الدولية التي أعطته صفة الشرعية، بحيث أصبح إحدى بوابات عولمة المصطلحات.
وعلى الرغم من ضعف تعليم المرأة وما ترتب عليه من جهل بأغلب العلوم وخاصة تعاليم الشريعة الإسلامية وما يترتب عليها من تكاليف وضوابط عقائدية، وما صاحبه من ظلم مجتمعي مرتبط بالأوضاع السياسية والاجتماعية، فقد كانت المرأة شديدة التمسك بالتعاليم الدينية التي تربت عليها من خلال الأسرة العربية المسلمة، حريصة على الحفاظ على عاداتها وعفتها وحيائها ولبسها الساتر، ملتزمة بضوابط الخروج من المنزل، وطريقة التعامل مع الرجال، وعملية الاختلاط، لذلك كان من الممكن لهذه الحركات التي تدعو لمعالجة قضايا المرأة (التعليم والعمل أو المشاركة السياسية والاقتصادية أو النشاط الاجتماعي) أن تكون وفق الضوابط الشرعية دون الإخلال بالقيم الإسلامية.