“مستقبل النفايات”
لولوة القلهاتي
“في عالم يحفل بالمستهلكين وموضوعات الاستهلاك تتأرجح الحياة بشدة بين حدين: ملذات الاستهلاك وأهوال القمامة”
(زيجمونت باومان – كتاب/ الحياة السائلة)
فتحت ابنتي نقاشاً حول تدوير النفايات العضوية (بقايا الطعام)، وكنا قد انتهينا من تناول غدائنا للتو حين باغتني سؤالها: ماذا تفعلين بما تبقى من طعام الغداء هذا؟ أجبتها على الفور: “أرميه في الزبالة طبعاً. يعني وش أسويبه” هذه الإجابة العادية والتي تعرفها هي مسبقاً جعلها تسرد علي موقفاً حدث معها، وكان بطله أحد تلاميذها الصغار في الصف الأول الابتدائي. فقد وجد أحد التلاميذ قطعة “دونت” في درجه، وأراد أن يأكلها فنهيته عن ذلك وأمرته بأن يرميها في سلة القمامة، فنهض زميله، وقال: لا يجوز رمي الطعام في القمامة يا أستاذة. تقول وقفت هنيهة أفكر ماذا أقول له وكيف أجيبه؟ قلت لا يوجد عندنا حل آخر، فأنا أخشى أننا إن تركنا قطعة “الدونت” هنا في الصف أن يأتي أحد زملائك فيأكلها فتسبب له المرض، فهي قديمة ومجهولة المصدر. قال: أستاذة علينا أن نجمع بقايا الخبز ونجففه. تقول ورغبة مني في إنهاء الحوار معه، قلت له: حسناً سنرى ماذا يمكننا أن نفعل حيال الأمر، والآن لنبدأ الحصة.
بقي كلام تلميذي النجيب سلطان يجول في ذهني، فما كان مني إلا أن أتصلت بوالدته وحدثتها عمّا حدث وعن كلام ابنها. ثم سألتها ماذا تفعلون أنتم ببقايا الطعام والخبز؟ فالطفل لن يقول كلاما إلا إن كان هناك ممارسة معينة حيال بقايا الأطعمة قد رآها أمامه، وربما هو يشارك فيها. فأجابت إنهم يجففون الخبز ويطحنونه ليكون طعاما للطيور، أما بقايا الطعام الأخرى فإنهم يخمرونها كسماد عضوي. تقول ابنتي إن فكرة السماد العضوي أعجبتها، وقررت أن تبدأ مع تلاميذها الصغار مشروع إنتاج السماد العضوي من بقايا طعامهم في الصف.
علينا نحن كأفراد أن نقلق فعلاً حيال ازدياد المخلفات العضوية المهدرة، وأن نأخذ الأمر بجدية أكبر، فهذه ثروة كبيرة يجب استغلالها الاستغلال الأمثل بدلاً من رميها في القمامة ثم حرقها مع بقية النفايات العامة. ومما يؤسف له أن قطاع (إعادة تدوير النفايات) بشكل عام لم يلق الاهتمام الكافي من الحكومة ولا من الشركات المتعاقدة معها للتخلص من النفايات في البلاد، ولم توضع إستراتيجية وطنية لحماية البيئة ونظافتها تتضمن ضمن ما تتضمنه من بنود بند إعادة تدوير النفايات القابلة لإعادة التصنيع، كالبلاستيك والورق والخشب والأقمشة والمعادن ومخلفات المزارع ومخلفات أسواق الخضار والأسماك، وكذلك مخلفات المطاعم والمنازل والفنادق من بقايا الأطعمة والزيوت. كل الذي سبق ذكره قابل لأن تقوم عليه صناعة واعدة، همها الأول نظافة البيئة، والهم الثاني جني أرباح ممتازة من هذا القطاع الواعد جداً. حيث يمكن إعادة بيع الورق أو الخشب المعاد تدويره كمادة خام لمصانع إنتاج الكرتون والورق، وإعادة بيع الخشب كنشارة تستخدم لصناعة الأثاث وغيره من الصناعات التي يدخل فيها الخشب، أو يكون الخشب المضغوط هو المكون الرئيس فيها. وكذلك المعادن والأقمشة. أما الطعام فيخمر لإنتاج السماد العضوي عالي الجودة، يعود على البلاد بالخير عند دعمه وبيعه للمزارعين العمانيين ليسمدوا به محاصيلهم بدلاً من الأسمدة الكيميائية التي ثبت ضررها على صحة الإنسان وعلى التربة الزراعية وعلى مصادر المياه الجوفية. قطاع إعادة التدوير قطاع واعد بلا شك إن أحسنت الدولة إدارته واستغلاله ليكون رافداً من روافد الاقتصاد وسبباً مباشراً لعودة الصحة للنظام البيئي المحلي. إن مشروع أستاذة العلوم وتلاميذها الصغار خطوة أولى صغيرة على طريق المئة ميل، ويقصد منه خلق الوعي لدى الجيل الجديد. وتأمل معلمتهم من خلالهم أن ترى أسرهم ومن ثم المجتمع بشكل عام اقتناعهم بجدوى وضرورة إعادة تدوير النفايات من مبدأ إسلامي، منطلقه حفظ النعمة واستغلالها الاستغلال الأمثل، واعتبارها ثروة وطنية يجب أن تُجنى أرباحها للخزانة العامة للدولة. ومن خلال المجتمع نأمل أن يتم الضغط على الدولة للقيام بما يجب حيال ذلك، ونرى صناديق لجمع المواد القابلة لإعادة التدوير منتشرة في المنازل والشوارع والحدائق والمطاعم والفنادق والشركات، على الطرقات وفي الحدائق والأماكن العامة والمجمعات التجارية ومحطات تعبئة الوقود، وفي كل مكان فيه نشاط إنساني.
فهل سيأتي هذا اليوم يا ترى؟