2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

بين جناح الفراشة وجناح الشاهين

 لولوة القلهاتي

هل فهمنا المناخ بما يكفي لنحاول حكومات وأفراداً تجنب كوارثه، والدمار الذي تحدثه الأنواء المناخية كالأعاصير والعواصف والمنخفضات المدارية المدمرة؟ هل نعرف شيئا عن الاحترار وذوبان الثلوج في القطبين، وتآكل الشواطئ وارتفاع منسوب مياه البحار عن معدلها الطبيعي؟ هل نعرف شيئاً عن الجفاف والتصحر الذي يلتهم مناطق شاسعة من أفريقيا ووسط آسيا وأجزاء من أستراليا وأمريكا الجنوبية؟ هل نعرف شيئاً عن التملح الذي يصيب الأرض ويتسبب في هلاك المحاصيل الزراعية نتيجة تغير الدورة المطرية وتناقص كميات الهطولات السنوية عن معدلها العام المعتاد؟

تطالعنا الشاشات ووسائل الإعلام في كل عام تقريباً بصور لزعماء الدول الأقدر صناعياً (أي ذات القدرات الصناعية العالية) وهم يصافحون بعضهم بعضاً، ويبتسمون تلك الابتسامات الصفراء المعهودة أمام الكاميرات، ولكن لا أحد يخبرنا عن ما يتم هناك خلف الكواليس، وما الذي تخفيه ابتساماتهم. غير أن حال العالم وحجم التلوث والتحذيرات التي يطلقها العلماء حول المناخ والبيئة والمخاطر المحتملة التي باتت مؤكدة الآن ينبئنا بأن الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية التغير المناخي الذي لا يتوقف تأثيره عليها وحدها، بل ستدفع ثمنه وبكلفة باهظة كل دول العالم، وخاصة حزام الجنوب (جنوب الصحراء الكبرى). إن الدول الصناعية الكبرى التي توقع على اتفاقيات الأمم المتحدة للمناخ للتقليل من المشكلات الناجمة عن تنامي قدراتها الصناعية، كاتفاقية كيوتو سنة 1992، واتفاقية باريس سنة 2015 هي نفسها التي تخرق هذه الاتفاقيات، وتنسحب منها متجاهلة أن العالم كله يسير إلى حتفه إذا استمرت الانبعاثات الكربونية في المعدلات العالية الحالية، مما سيفاقم مشكلات الاحتباس الحراري وما قد ينتج عنه من كوارث طبيعية كالحرائق والفيضانات والأعاصير بشكل كارثي غير مسبوق كما حدث هذا العام مثلاً.
العام 2019
العام 1959
وفي أثناء البحث عن مادة لإعداد هذا المقال قرأت تقريراً على موقع (بي بي سي)عربي يتناول التغير المناخ، وكان المقال لحسن الحظ معززاً برسم بياني مصدره (المشروع العالمي للكشف عن الكربون) ومقره في المملكة المتحدة. يرصد الرسم البياني الفترة من عام 1959م إلى عام 2019م وقائمة مكونة من 15 دولة الأكثر تلويثاً للهواء بالكربون، ويحوي الرسم البياني كذلك كمية الكربون المنتجة بملايين الأطنان. وقد اختصرت القائمة في هذا المقال إلى خمس دول لغرض المقارنة فقط بغية وقوف القارئ على الزيادة الهائلة في الانبعاثات الكربونية القاتلة والمدمرة للغلاف الجوي مما يعطينا مؤشر يدلنا إلى أين يسير هذا الكوكب إذا ما استمر الوضع على ماهو عليه.

العام 1959م

مالدولةالانبعاثات (بالمليون طن)
1الولايات المتحدة الأمريكية770
2روسيا232
3ألمانيا206
4الصين197
5بريطانيا149

 

العام 2019م

مالدولةالانبعاثات (بالمليون طن)
1الصين2,777
2الولايات المتحدة الأمريكية1,442
3الهند714
4روسيا458
5اليابان302

 

هل لاحظتم حجم الزيادة الهائلة في إنتاج الكربون منذ العام 1959م وصولا إلى العام 2019م؟

بعد هذه المقدمة والمقارنة قد يتساءل القارئ ما الذي يهمنا في هذا السرد؟ أقول إن ما يهمنا هو أننا جزء من العالم نتأثر سلباً وإيجاباً بما يحدث فيه، وبما يلقى في بحاره وما يقذف في جوه وما يدفن ويصب في أرضه، وهذا التأثير والتأثر المتبادل يسمى بنظرية تأثير الفراشة في المناخ. أي أن ما تفعله الدول الصناعية من عدم الاكتراث بخفض الانبعاثات الكربونية من مصانعها، وجشعها المالي والإنتاجي وتوسعها الصناعي والعمراني الذي لا يعطي قيمة للإنسان وللأرض سينتج عنه تزايد في الاحترار الأرضي، وارتفاع درجة حرارة المحيطات، وارتفاع حرارة الجو عن معدلاتها مما يتسبب في ذوبان الثلوج وزيادة مناسيب مياه البحار والأنهار والمحيطات، وزيادة الحرائق واتساع رقعتها، مما يهدد بتهجير ملايين البشر خلال العقود القادمة من هذا القرن. وكنتيجة مباشرة لارتفاع حرارة الأرض فإن الأعاصير والعواصف المدارية ستزداد حدة، وهذا ما رصدته وحذرت منه دراسة كبيرة شارك فيها مختصون في علوم الأرض والمناخ والبيئة واعتمدتها الأمم المتحدة في تقاريرها حول التغير المناخي العالمي، ودقت على إثرها ناقوس الخطر. تشير الدراسة التي ترأست الفريق البحثي العالمي فيها د.بيث تيلمان من جامعة أريزونا أن هناك 900 فيضان كبير حدث في العالم خلال الفترة بين عامي 2000-2018م وقد أثرت هذه الفيضانات بشكل مباشر على حياة 255 و 290 مليون إنسان حول العالم. كما رصدت الدراسة تنامياً في نسبة السكان المعرضين للفيضانات مستقبلاً بنحو 10 أضعاف التقديرات السابقة. وبجانب هذه الدراسة التي تدق ناقوس الخطر بشدة وجدت على موقع البي بي سي عربي خارطة مصدرها قاعدة بيانات الفيضانات العالمية تبين الزيادات في تكرار وتعاظم خطر الفيضانات في الأعوام من 2000م إلى 2030م والأمر المثير للقلق أن سلطنة عمان وضعت على الخارطة باللون الداكن الذي يعني أنه قد جرى تصنيفها ضمن قائمة الدول التي شهدت زيادات ملحوظة في تكرار الفيضانات وشدة عنفها، وأنها مرشحة بحكم موقعها الجغرافي لتفاقم الخطر في المستقبل. وفي تقرير الأمم المتحدة الموجود على صفحتها في شبكة الإنترنت والمعنون ب (العمل المناخي)، حثت الأمم المتحدة عبر منظماتها المعنية بالمناخ دول العالم إلى اتخاذ تدابير وقائية قد تنقذ حياة ملايين البشر المهددين جراء التغيرات الحاصلة في المناخ، كما أنها وجهت إلى ضرورة تنفيذ الخطط التي تم الاتفاق عليها في اتفاقيات كيوتو وباريس؛ بغية الوصول للأهداف المنشودة، ومن هذه الأهداف:
1/اقتصاد منخفض الكربون يعتمد على الطاقة المتجددة.
2/تحالف عالمي للتكيف مع آثار التغير المناخي.
3/تفعيل آليات للتنمية النظيفة.
4/دعم الدول النامية لخفض انبعاث الغازات الضارة.
5/نقل التكنولوجيا الصديقة للبيئة إلى العالم النامي.

وفي ذات التقرير الذي سبقت الإشارة إليه وردت فقرة هامة تقول (إن الإنفاق الآن سينقذ الأرواح ويقلل التكاليف في المستقبل)، وهذه الفقرة هي ما يعنينا في سياق هذا المقال، أعني في مجال العمل المحلي في سلطنة عمان تجاه مستقبلنا مع الأنواء المناخية القادمة. وقد يتساءل القارئ ماذا أقصد وتقصد الأمم المتحدة من الفقرة التي سبق الإشارة إليها؟ والجواب هو أن الدول المعرضة لمخاطر الأعاصير بحكم موقعها كسلطنة عمان على سبيل المثال لن تستطيع تغيير إحداثيات موقعها الجغرافي والانتقال إلى موقع آخر بعيداً عن بحر العرب وأنوائه والمحيط الهندي وأعاصيره، ولا عن خط مدار السرطان وحرارته وجفافه، لذا فهي على موعد مع تكرار ما حدث هذا العام في إعصار شاهين كل عدة سنوات، وهناك تاريخ سابق يجمعنا بمثل هذه الأعاصير بدءاً بجونو وصولاً لشاهين، وربما يصبح هناك تزايد وتسارع وعنف أكثر مستقبلاً. ولذا فإن الأمم المتحدة تشدد دعوتها للدول الأكثر عرضة لتقلبات المناخ بأن تتكيف مع التغيرات المتوقعة عبر خطط شاملة لتحديث منظومات البناء والتشييد فيها؛ لتكون أكثر ملائمة ومقاومة سواء للارتفاع الحاد في درجات الحرارة أم أكثر تحملا ومرونة أمام الفيضانات، كبناء منظومات هندسية عالية الكفاءة لتصريف أكبر كمية ممكنة من مياه السيول، وبناء منصات بحرية وكاسرات أمواج لحماية المناطق الساحلية من ارتفاع الأمواج وتآكل الشواطئ، وكذلك رفع الشوارع الرئيسة لمستويات تجنبها الغرق في وقت السيول كما تنصح وتشدد على بناء منظومة جسور على الأودية والقنوات المائية، وتوسيع فتحات التصريف والعبارات الصندوقية، بحيث تتناسب مع مناسيب المياه الكبيرة الناجمة من هطول الأمطار وتدفق السيول الجارة، وما تجرفه معها من مخلفات وسيارات وأشجار وأحجار وغيرها. كما يجب تعميق مجاري الأودية ووضع خطة دورية لإعادة عمليات التعميق بحيث تكون جاهزة في حال حدثت أنواء مستقبلاً. كما يجب منع توزيع الأراضي التي تقع في مجاري الأودية ويجب منع تضييق مجاري الأودية والشعاب بأي منشأة أياً كانت، واستحداث مخططات سكنية جيدة ملائمة أكثر للسكن ينقل إليها السكان الواقعة منازلهم في مخططات سابقة داخل مجاري الأودية بحكم القانون إن لزم الأمر؛ حماية لهم ولصالح البلاد العام. كما يجب الاستعداد بمنظومات سدود حماية وتخزينية عالية الكفاءة يمكنها الاحتفاظ بالمياه في بحيراتها بكميات كبيرة؛ لحماية المناطق السهلية المنخفضة لتجنب ما حدث في محافظتي جنوب وشمال الباطنة أثناء إعصار شاهين. كما يجب توفير طائرات للإطفاء، وتدريب رجال الإطفاء والدفاع المدني على كيفية التعامل مع حرائق الأحراش والغابات لتجنب الكارثة البيئية التي حدثت صيف هذا العام في جبل شمس. هذا هو التكيف والإنفاق الآن الذي سينقذ الأرواح بإذن الله في المستقبل.

المصادر:تقرير العمل المناخي _ الأمم المتحدة
تقرير قمة تغير المناخ_ بي بي سي عربي
تقرير التغير المناخي_ بي بي سي عربي

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights