الميلادُ المُبارك
د. سعيد بن راشد بن سعيد الراشدي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرُسلَ هادياً ومبشراً ونذيراً. معلم البشرية الهادي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وسلم.
تلوحُ علينا وعلى الأمة الإسلامية كافةً في هذه الأيام ذكرى عطرةً ننتظرها والعالم الإسلامي أجمع كل عام، ألا وهي ذكرى ميلاد سيد البشر، وخاتم النبيين والرسل، سيد ولد عدنان حبيبنا وشفعينا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، بعدد ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون.
ويعتبر ميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أعظمِ النعمِ التي أنعمَ الله بها على البشريةِ جمعاء، هذه النعمةُ العظيمة التي انتقلت بها البشرية من عبادةِ العباد لعبادة رب العباد، حيث قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}- صدق الله العظيم الآية (2) من سورة الجمعة.
هذه النعمة والذكرى العظيمة نقلت بها البشرية من الظلمات التي كانت تعيشها في حياتها إلى النور الساطع، ومن الضلالة إلى الهداية؛ فبميلاده صلى الله عليه وسلم أنتقل العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ففي الثاني عشر من ربيع الأول أشرق النور الرباني على هذا الكون فتلألأ الكون من مشرقه لمغربه بهذا النور المحمدي على صاحبه افضلُ الصلاة وأزكى التسليم.
حيث كانت العربُ تعيش قبل ميلاده صلى الله عليه وسلم وبعثته في ظلالٍ كبير؛ فكان الجهلُ وعبادة الأوثان، والتناحر فيما بينهم سائداً في المجتمع الجاهلي، وكان القوي منهم يأكلُ الضعيف، ولكن الله سبحانه وتعالى عَطَّر هذا الكونَ مسكاً وعنبراً بميلاده صلى الله عليه وسلم.
وكان ميلاده صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة من يوم الإثنين للثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل، وقد فرح جده عبد المطلب بمولده صلى الله عليه وسلم فرحاً شديداً، وقد أطلق عليه اسم محمداً، علماً بأنَّ هذا الاسم لم يكن معروفاً لدى العرب وأهل قريش، حيث قال جده عبد المطلب: أريدهُ أن يكونَ محموداً في السماءِ والأرض.
والمتتبع لسيرته النبوية الشريفة يجدهُ صلى الله عليه وسلم يكتسي بأفضلِ وأنبلَ الأخلاقِ الكريمةِ في مختلفِ جوانب حياته الشريفة، فكان عليه الصلاة والسلام يوصفُ بالصادقِ الصدوق بين قومهِ، ولقد قامت قريش بتجديد الكعبة، وقد شارك الرسول عليه أفضل الصلاةِ وازكى السلام أبناء قومه في نقل الحجارة، وعندما اختلفوا فيمن يقوم بوضعِ الحجرَ الأسود في مكانه، فكلاً منهم كان يطمح أن ينال شرفَ وضع الحجر الأسودَ في مكانه، ووصل النزاع بينهم لشدته، فحكموا أول شخصاً يدخل عليهم في البيت الحرام، فكان عليه الصلاة والسلام هو من خرج عليهم فهتفوا جميعاً بالصادق الأمين رضينا، وأخبروه بنزاعهم، فأشارَ عليه الصلاة والسلام عليهم بوضعِ الحجر الأسود على رداءٍ، ثم أمرَ كل قبيلة بحمل الرداءِ من طرفٍ والقيام برفعه جميعاً، وحمله عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة ووضعه في مكانه، وقد أنهى النزاع فيما بينهم.
وقد وصفه الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل بالخُلق العظيم حيث قال: {وَإنَكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}- الآية (4) من سورة القلم، وكيف لا! وهو النبي المختار، وخاتم النبيين صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والشفيع المشفع يوم العرض الأكبر، الصادق الصدوق، الذي أدى الأمانة، ونصح الأمة وجعلها على المَحَجةِ البيضاءَ، ليلها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وسلم.
وكانت أخلاقه صلى الله عليه وسلم هي المحور الأساسي له في كيفية التعامل مع أهل قريش لتبليغ دعوته الإسلامية. فكانت سيرته العطرة مع أهله توضح لنا المنهج الإسلامي الرائع في كيفية التعامل مع الأهل، فكان صلى الله عليه وسلم رحيماً بين أهله، ويتمثل ذلك في قول أم المؤمنين إنه كان يرقع ثوبه، ويخصف نعله.
والمتتبع لسيرته الشريفة أيضاً صلى الله عليه وسلم يجدها نبراساً ومنهجاً عملياً يُقتدى به في مختلف جوانب الحياة، فكان عليه الصلاة والسلام رقيقُ القلبِ، حسنُ العشرةِ، يترفق عليه الصلاة والسلام بأصحابه، ولا يُهين أحداً، من رآه ومن عرفه أحبه عليه الصلاة والسلام.
ومن هنا فإن الاحتفال بميلاده الشريف يكون بإتباع سيرته الشريفة العطرة، والتزود بما فيها من أنبل وأرفع الأخلاق وأفضل الأساليب والطرق للعيش في هذه الحياة بمختلف جوانبها الحياتية، حياةً كريمةً، وأن يكونَ صلى الله عليه وسلم أحبُ إلينا من أنفُسنا، وأولادنا، وأهلنا.
وفي هذا المقال لا يمكن لي أن أوفيَ مناكبه صلى الله عليه وسلم، وسرد سيرته الشريفة العطرة، ولكنني اقتطفتُ زهوراً قليلة من البستان الخصب لسيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم، وأسال الله تعالى أن أكون قد وفقت في ذلك، فما من توفيق فهو من الله، وما من تقصير فهو مني، وصلِ الله عليه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه بعدد ما ذكرهُ الذاكرون، وغفلَ عن ذكرهِ الغافلون.