خانقتي
غزلان البلوشي
عندما بدأت كورونا في الظهور، لم يعلم أحدٌ بنيتها الخبيثة التي حوَّلت العالم إلى جحيم بين أناس عانوا منها تارة، وبين موت محتم تارة، وبين معاناة بآثارها لفترة طويلة في الطريق إلى الشفاء تارة أخرى، وبين هذا وذاك لم يفكر أحد بالكوادر الصحية سوى بكلمة (شكرا) الطواقم الطبية، (وشكرا) الطواقم الصحية، وقد أجد بعض الردود وليس الكل تقول: إنها وظيفتهم وعليهم العمل في خدمتنا، من دون أن يسألنا ما الصعوبات التي نواجهها؟ كالضغط النفسي بشكل كبير، ففي أوقات عندما ترى مَن يعاني مِن هذا الفايروس فنفكر بأننا قد نُصاب مثل هؤلاء المرضى ونعاني، وقد ننقل لذوينا وفلذات أكبادنا وكبارنا في السن هذا المرض، وتركيزنا بالتغلب على الوضع قد يكون شبه مستحيل، والاستماع إلى قوانين المستشفيات واللجنة العليا، والتعب والإرهاق، والوقوف لفترات طويلة مع الفريق لإنعاش قلب مريض قد توقف فجأة وهو مصاب بالفايروس، ومتابعة العلامات الحيوية لمريض آخر، وإعطاء الأدوية لمرضى بأمراض مزمنة، ومتابعة أجهزة التنفس الصناعي، وسماع مَن ينادي مِن آخر الممر لطلب المساعدة في حمل مريض آخر، وغيرها من الأمور التي لا يعلمها إلا مَن تواجد في الأرجاء كالأطباء والممرضين وعاملي النظافة وفنيي الأشعة والمضمدين وحراس الأمن.
لبس الكمام له قصة أخرى، فقد جعل العالم وليس البعض يعانون منه بشكل كبير، ويدور السؤال في كيفية لبسهُ؟ ومتى يُزال؟ وكيف؟ والمدة التي يبقى فيها على الوجه.
ومن جانب آخر التوعية الفردية التي انتشرت لتوجيه المجتمع لتعرّف أنواع الكمامات التي يُنصح بها، ولكن من يعمل في ظل الجائحة ووسط مرضى مصابين، يُخيل لي كأنه جندي متخصص لتفكيك القنابل والمتفجرات في وسط المعركة، لا يعلم متى قد يُصاب في حال أُزيلت كمامته، وهو مرتعب إذ قد يتعرض للخطر في أية لحظة، فهو ليس فايروس مر مرور السلام لا وألف لا، فقد خطف منا أرواحاً لو لم يدخل بيننا لكانوا متواجدين وسطنا.
كمامتي لها قصة، فأنا مصابة بالربو المزمن، وأن أبقى فترة طويلة وأنا مرتدية لها ليس بالأمر السهل أبداً، أوقات أشعر بالاختناق، فأجري بعيدا لكي أتنفس على الأقل، شعرت كأني في المريخ الذي لا يوجد فيه أكسجين، وعلي إبقاء خوذتي التي هي مزودة بالأكسجين، وإذا فكرت في إزالتها قد أموت، ولكن في الواقع كمامتي هي منقذتي وخانقتي في آن واحد، ذاك كان شعوري وقتها.
وتمر أوقات علينا نُلزم بلبس كمامتين معاً مختلفتي النوع لزيادة الحماية أكثر.
خانقتي (كمامتي) لا تشعرين مدى حاجتي في إزالتك، أصبحتُ ملتزمة بكِ في كل الأوقات، في العمل والتسوق وحتى في الزيارات، تمنيت أن أكون كالمتخرجة بمرتبة الشرف لألقي بكِ بعيداً دون عودة، كم أنا مشتاقة إلى مجيء هذا اليوم، شعور لا يوصف بحد ذاته، متى يأتي؟ فقط طال الانتظار.