2024
Adsense
مقالات صحفية

الحوكمة الأسرية

سلطان بن حمد البوسعيدي

ربما قد استوحيت عنوان المقال من مقال مشابه يتحدث عن حوكمة الشركات، بما أن الشركات مؤسسات ومنظمات لها إدارة وأفراد تنظمهم أسس وقوانين هادفة لتحقيق أهداف ورؤى مستقبلية, كذلك الأسرة لها نظم وأسس وأهداف مستقبلية.

وقد عرف مفهوم الحوكمة بأنه إدارة متسقة، وسياسات متماسكة، وضوابط ومجموعة من العمليات، واتخاذ القرارات في جزء معين من المسؤولية، وكذلك الرقابة والشفافية.

ربما قد يتناسب هذا المفهوم وتطبيقه على أفراد الأسرة وفق نهج قويم ونظام صحيح . حيث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيّته).

وأيضاً الحوكمة تنطبق على المسؤول أيًا كان موقعه في العمل أو المؤسسة أو أي نشاط اجتماعي, فهي كفيلة بإدارة الوقت و البرامج والخطط الاستراتيجية وغيرها من النظم الأساسية لعملية إنجاح المهمة أو العمل. فما نراه على الواقع الملموس عن الأسر الناجحة في المجتمع واستقرارها يدل على النظام والمنهجية التي تتبعها فنجاحها يؤدي إلى نجاح المجتمع ونجاح المجتمع يؤدي إلى نجاح واستقرار البلاد.

الهدف الرئيسي من كتابتي لهذا المقال هو التوعية المجتمعية للأسرة والتي تبدأ من أساس تكوينها من بداية التفكير في الزواج والارتباط بالجنس الآخر، والعملية لكل الجنسين، حيث من مؤشرات النجاح في الأسرة يعتمد على الشريك في الزواج بشكل كبير؛ لأن الاختيار يعول عليه في إنجاح هذه الأسرة الجديدة. قال الله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ (النحل: الآية 72).

فإذا كانت بداية هذه الأسرة تحكمها أو يتخللها نظام ديني وأخلاقي وثقافي في مختلف الجوانب الحياتية, وحوكمة فعالة ستؤثر عليهم بشكل رئيسي في تأسيس الحياة الكريمة، لتخرج أجيالا في المستقبل ناجحة تترجم نجاح مشروع الزواج .

‏أيضًا هناك بعض العادات التي نمارسها يومياً لها شأن في أسباب النجاح, فالتقيد بمواقيت الصلاة والعبادات، وقراءة القرآن والسنة النبوية، وممارسة الرياضة و النظافة الشخصية و القراءة وغيرها يجعلها عادة راسخة تساعد على تنمية الفرد ونجاحه. كما أن بعض الجوانب العلمية والعملية في الحياة تعلمنا نظام جميل يساعد على إنجاح هذه المنظومة الأسرية.

وبلا شك فشل نظام الحوكمة في الأسرة له تأثير عليها وعلى المجتمع. والأسرة التي تعاني من خلل في نظام الحياة من مختلف الجوانب سواء كان الجانب المادي أو الأخلاقي أو الديني أو العملي، فقد تكون هذه الأسرة لا تشعر بالاستقرار والأمن والطمأنينة، بل سيؤثر على محيط أسُرته ومجتمعه.

‏إن الحوكمة الأسرية تحمي الأجيال من مخاطر التطور السريع الذي نعيشه، ومن الثورة الصناعية الرابعة وبرامج التواصل الاجتماعي، فمثلما لها إيجابيات في تحسين وسرعة العمل، أيضاً هناك سلبيات من استخدام هذه التقنية للأفراد الأسرة إذا لم توجد هناك متابعة من رب الأسرة، فعدم وجود نظام الاستخدام ورقابة وحكومة فعلية ربما تؤدي إلى دخول في برامج تؤثر نوعاً ما على المستخدم وخاصة الأطفال والمراهقين مما يؤدي إلى إفساد هذه الأجيال الناشئة.

فما نراه من مشاكل من خلال البرامج التواصل الاجتماعي والابتزاز الإلكتروني، جاءت نتيجة لعدم السيطرة والرقابة الأسرية.

‏كذلك تأثير الحكومة الأسرية على نتائج الطلاب المدارس أو الجامعات في نسبة النجاح. فالأسرة التي تتابع وتهيئ نظام الدراسة لأبنائها يزيد من نسب نجاح الطلاب وهنا مؤشر يدل على مدى ارتباط نسبة نجاح الفرد بإدارة ولي الأمر لهم وتأثيره عليهم، وفشل هؤلاء الطلبة ربما يعود لنفس السبب وفشله في إدارتهم وعدم المتابعة لهم وربما نقول هنا قد ظلمهم بذلك وقد تسبب لإخفاقهم في الدراسة التي ستؤثر على مستقبلهم.

‏إن الحوكمة الأسرية تنطبق على الأمور المادية، فالإدارة المالية للأسرة لها أهمية كبيرة في تطبيقها على أن يستطيع رب الأسرة موازنة في الصرف والادخار .

إن الفترة الحالية سنرى فيها بعض المتغيرات المالية في حالة المعيشة من تباطؤ في النمو الاقتصادي، والتضخم المالي، ومن تطبيق الضريبة، والقيمة المضافة على بعض السلع، وارتفاع في فواتير الكهرباء والوقود، وجائحة كورنا وهذا ما يحدث وقد حدث في معظم دول العالم، وللمضي قدماً في تخطي هذه التحديات، يجب علينا أن نغير الثقافة المالية ومواكبة التغيرات إذا كان نفس الدخل السابق لكي لا نتأثر بتلك المتغيرات وذلك بتقليل من المصروفات من جميع الجوانب ونعطي أهمية للأولويات في الإنفاق لنستطيع التعايش مع الوضع المالي الجديد.

ولنجاح الحوكمة الأسرية بإمكاننا تطبيق بعض المبادئ ومنها:
‏1-( الشفافية): أن تكون هناك شفافية بين أفراد الأسرة فيما بينهم.
‏2-( المسؤولية): أن يكون هناك لكل عضو في المنزل مسؤولية، فمثل ما له من حقوق عليه واجبات ينبغي أن يؤديها.
‏3-( المحاسبة): وهي عنصر مهم في سير نظام وتحقيق الأداء الأسري فمن اجتهد وأنجز يكرم ويكافأ ومن أخطأ يحاسب ويعاقب .
‏4-( العدالة): أن تكون هناك عدالة بين أفراد الأسرة وخاصة بين الأبناء أو بين الزوجات إذا كانت هناك أكثر من زوجة لتحقيق السعادة وعدم ظلم أي فرد من أفراد الأسرة.

‏إن ما ذكر يتحدث عن مبادئ دينية وأخلاقية نجدها في السيرة النبوية قد صيغت فقط بعبارات مختلفة, والحوكمة الأسرية لابد أن نطبقها جميعاً وفق المتغيرات والمعطيات في البلاد ووفق أسس ونظم والاستفادة من تجارب الآخرين في ذلك، لكي تستطيع أن تكون الأسرة أكثر أمناً واستقراراً، تغمرها السعادة والطمأنينة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights