الجيران بين زمنين
نصراء بنت محمد الغماري
الجيران هم أساس التكافل والتلاحم في المجتمعات العربية والإسلامية عموماً، واللُّحمة الاجتماعية المبنية على تناغم الجيرة دائماً تحمل سِمات ذات تأثير إيجابي على الأجيال، وما نحن إلا نتاج لهذا النوع من ثقافة الجيرة وعلاقات الجيران الإيجابية التي تعود إلى ثلاثين وأربعين عاماً مضت، لأنها كانت مثالاً جميلاً وجيداً ومثالياً لِما تمثّله الحارات في دور الأثر الناتج عن العلاقات الطيبة بين الجيران.
يمكن ملاحظة وجود زمنين للجيران في البيئة العمانية:
زمن يعود إلى ما قبل أربعين عاماً، وزمن يكرّسه الوقت الراهن الذي نعيشه.
قبل أربعين عاماً كان الشعار هو الجار قبل الدار، وهذا كان متحققاً على أرض الواقع، في الأفراح والأتراح، في التكافل والتكامل، في الانسجام بين مختلف شرائح البيئة الواحدة، والبيئة آنذاك كانت هي الحارة، وليست المدينة كما الحال الآن.
كانت الفتيات تجمعهن الابتسامات الصادقة المتّسمة بالبراءة والصفاء والنقاء والحرص على الودّ المشترك، هذا الود الذي لا ينقطع حتى آخر لحظة من العمر.
أما زمننا الحالي، زمن الجُزر المنعزلة، فكل بيت جزيرة، ولا يوجد جسر يجمع بين تلك البيوت، والودّ ليس كما كان الحال عليه قبل عقود من الزمان، فلكل بيت حالته الخاصّة، إذ لم يعد التواصل أساس كل شيء، ولم يعد الود موصولاً كما يأمل المرء أن يكون، ولم يعد يدري الجار أيّ شيء عن حال جاره، بل ربما لا يعرف حتى اسمه، وبالكاد يتذكر شكله، أما وسائل التواصل الاجتماعي فهي الأخرى لم تعوّض هذا الفارق، لأن القطيعة جوهرية، والعادات لم تعد كما كانت، ولم تجمع بين الجيران ذكريات طفولة ومراهقة وشباب وودّ اجتماعي مشترك، لأن القيَم الاجتماعية تغيرت تماماً، إلا من رحم ربي.