“ورد وكيذا وعنبر عماني” كيانات للتجميل العماني قديما
زينة المرأة العمانية بين سرَّي البساطة والطبيعة
كتبت- ميساء الخنبشية:
اختارت المرأة العمانية أن تكون صديقة لمفردات بيئتها، واكتشفت الكثير من الأعشاب والأشجار التي تحولت بلمسة الأنوثة إلى صبغة للشعر وظل للعيون وأحمر للشفاه، وجعلت بذكاء فطرتها الطبيعة العمانية حولها حيَّة ونابضة، فالكحل والورس والمحلب والصندل والحناء والنيلة الزرقاء والسدر والديرم تعتبر كيانات في عوالم التجميل للمرأة العمانية في القِدَم، وأجادت في تكوين حقيبة للمستحضرات التجميلية الطبيعية الخاصة بها.
ولا تكتمل زينة المرأة العمانية إلا بالعطور الطبيعية، كما أن لشعرها له نصيب في ذلك، خصوصًا في الأفراح والمناسبات التي كانت تبتدعها ذاتيًّا من مسحوق زهور الريحان وحبوب المحلب والمسك الأبيض وورد الجوري، فالدهان الناتج من هذه المكونات والمخلوط مع ماء الورد الجبلي أو مع العود والمخمرية تعتبر عطور فاخرة آنذاك، لذلك حرصت المرأة العمانية على التعطر لإضفاء رائحة طيبة وعطرة.
وقد هام الشعراء في هذا العالم وتغزلوا بالمرأة، ونظّموا أشعارهم يصفون العيون الكحيلة حيث يقول محمد بن أبي العباس الأبيوردي:
رمتني بسهمٍ راشه الكحل بالردى … وأقتل ألحاظ الملاح كحيلها
اقترب اليوم من امرأة عمانية “راية السعيدية”، تُحدّثنا عن أبرز أساليب الزينة ومستحضرات التجميل قديمًا:
العيون بين الكحل والأثمد
كان لقائي بها في ركنها الخاص من البيت القديم الذي تضج أركانه بالحكايات التي تنتظر من يستنطقها يوما، بوجهها الدائري الذي يفيض بالابتسامة وبشرة وجهها التي تحتفظ بربيعها معارضة قوانين الزمن وتقلباته، استهّلت السعيدية حديثها عن الكحل واصفة له بأنه الأشهر بين المستحضرات التجميلية قديمًا، وعن صناعته تقول ، تتم صناعته بوضع الطوبج “أداة معدنية دائرية تستخدم لإعداد الخبز” وإشعال الحطب أسفله، لتتشكل مادة شبه صلبة يتم إزالتها بواسطة أداة تسمى بـ الخوص “ورق النخيل”، بعد ذلك يتم تجميع المادة الصلبة في إناء ويخلط مع سمن الغنم ثم يشكّل على شكل دوائر صغيرة ويوضع بعد ذلك في علبة نظيفة ثم يبرّد إلى أن يتماسك، ويتم كحل العينين بواسطة أداة تسمى بـ “المَرْوَد” والناس كانت تصنعه سابقًا من حطب العلعلان (وهو نبتة برية تتواجد بالجبال).
ولعل لهذه الصناعة أسرارها المختلفة على ضفاف الأمواج الهائجة لجزيرة مصيره حيث تتم صناعة الكحل بإذابة كبد القرش في النار، ثم يصفّى الزيت الناتج من بقايا الكبد، وتغمّس قطعة صغيرة من القطن في الزيت الناتج من الكبد وتشعل بها النار وتغطى بإناء بسرعة بعد الاشتعال، حتى يتراكم فوقه دخان أسود ويتكون الكحل الذي يسمى بدخانة الكحل أو دخانة الصّل.
ويعدّ الأثمد في الإسلام من كُحل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، فكان يوضع الأثمد وهو حجر طبيعي بعد طحنة مع نواتين من الزيتون والتمر على النار، وقطرات من زيت الزيتون ثم تخلط هذه المكونات زهي ساخنة حتى يتشكل مسحوق ناعم يوضع على علبة نظيفة، وفي النهاية يتشكل لنا فيما يسمى بالمكحلة.
أسرار البشرة
وأضافت السعيدية: هناك بعض الأشجار التي تستخدم لتجميل الوجه والشعر مثل شجرة الياس، حيث تقطف الأوراق من شجرة الياس ثم تجفف وتطحن ليتشكل مسحوق أخضر ومن ثم يخلط مع ماء الورد الجبلي ويوضع على الوجه لإزالة البثور والحبوب، ويستخدم كذلك لغسل الشعر؛ بديلا لما يسمى اليوم بالشامبو والبلسم، كما تطحن كذلك شجرة السدر، وتجفف أوراقها حتى يتشكل مسحوق يشبه البودر ويخلط مع مواد أخرى ويوضع على الوجه.
وأوضحت السعيدية عن شجرة الحناء التي لها فوائد كبيرة على الرأس والأرجل واليدين، ويتم طحن الحناء ويضاف إليه قليل من الملح والليمون والماء الساخن ليتشكل عجين متماسك، ويوضع في إناء لمدة ساعتين، ثم بعد ذلك يستخدم لعدة أغراض مثل الزينة وأحيانا للشفاء.
لعل الحنّاء في البيئة العمانية حكاية مغرقة في القِدم، وهي ليست موضة حديثة بل تضرب في تاريخها لتؤكد أنّها الأكثر جودة في محيطها والأكثر ثباتًا، فكانت القوافل التجارية الداخلية، تحمل من بين بضائعها مدقوق الحناء المخلوط مع الليمون اليابس إلى مختلف الأرجاء.
وللمحلب حكاية أخرى، كما يسمى بالكرز البري أو كرز المحلب، وهو مرطب للجسم تضعه المرأة العمانية على جبينها ورأسها عند الشعور بالصداع، كما أن له فوائد متعددة للبشرة والشعر والجمال، ويتواجد عند العطارين على شكل مسحوق بودر، ويتم خلطه مع ماء الورد الجبلي ومن ثم استخدامه لأغراض مختلفة.
وأضافت السعيدية بشأن الكريمات التي ترطب الجسم قديمًا، يتم مزج الورس مع الكركم وخلطه بحل الشوع أو الزيت العادي في جرة ومن ثم يدهّن على الجبين والرجلين، وهو ما يسمى بالدّهان، كما أن الصّندل من أهم المقشرات للبشرة قديمًا، فهو يبيض لونها ويخفف البقع الداكنة ويورد الخدود طبيعيًا، ويتميز برائحته العطرة، ويستخدم في علاج حب الشباب وإزالة الرؤوس السوداء، ولا زالت المرأة العمانية تستخدمه حتى وقتنا الحالي.
بقي أن أقول: إن أساليب الزينة ومستحضرات التجميل في الماضي تعيد نفسها بعد ما تركتها النساء العمانيات كالحناء في شعر الرأس والكحل بأنواعه وأشكاله المختلفة والدهان وباقي مفردات التراث الجمالي القديم، عبر ما يسمه مواد التجميل العضوية (Organic Cosmetics Products)، التي تتميز باستخدامها المواد الطبيعية، وتتدافع بعض شركات التجميل على استثمار هذا الإرث التجميلي وتقديمه بصورة عصرية ليكون زينة تعبر عن الترف في وقتنا الحالي.