تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
أخبار محلية

يقين المرة السابعة

مياء  الصوافية

ذاك منذ عام ويزيد قليلا ،هذا الأمر لا يشبهني هو ليس من شاكلتي؛ فأنا وإياه لسنا في شأن؛ فنحن ما بين حلو ومر، ولون ولون هو فقط مع من رهف قلبي؛ رحمة بهم ، وتعانقت أضلعي؛ حزنا عليهم، وما إن علمتُ بأن هذا الأمر قد شاكلني، والتحم بجسدي وصار جزءا منه في تلك اللحظة أخذني معه إلى كهف مظلم؛ لاسْتَوْعِبَ بأنه يعنيني وأعنيه وإما أنْ أُهْلِكَهُ أو يَهْلكَني! فما بين سريرٍ أبيضَ ، وَمِبْضَعِ طبيبٍ ، وَأَوْرِدَةٍ تُغذي جسدي المُتَهَالِكَ واكْيَاسِ الدماء زارتني لَمْحَةٌ رَبْانيةٌ بأنني في دائرة الابتلاء؛ فَأوْرَدَتْ قلبي مَعِيْنَ الْوِرْدِ، وَأَصَمَتْ جسدي بصمود الصبر الذي يشبه جذع شجرة لا ينحني لرياح شَمالٍ ضَاربةٍ في لُجِّ كَانونَ وإن تساقطتْ أوراقُه.

هل حقا يا قلبي، تعيش يقين الصبر على هذا الابتلاء؟ فما  بالك إذن اعْتراكَ الخوف؟ لِمَ دقاتكَ قد تسارعتْ كأنما هي خيل في مضمار، وأنتَ على باب تلك الغرفة – غرفة العمليات – لماذا  رجوتَهم  بأنْ يمهلوكَ أياما؟ ،هل لأنَّ صورهم البريئة عالقة فيكَ؟ ،هل لأن العيد النشوان على الأبواب وأمنيتك الأصيلة تَتَشَبَثُ بِتَلابِيْبِ شراينك ترجوكَ بأن تكون معهم تعيش ضحكات طفولتهم ؟ أم أنك خفت ألا تلقاهم بعد ذلك؟ أم أنكَ لم تصلْ إلى كُنْهِ اليقين التام الذي أشبه بطَودٍ عظيمٍ لا يَنْثَنِي لأي عاصفة ، أم أنه الخوف من النهاية ؟ أو لم تَهِبّ عليك من أجْرَانِ الصبر نسمات اليقين؟ ألم تأتكَ البشارةُ المُحَمَّدِيَّةُ *في بِضْع ِسَاعَاتِ نِمْتَها مع بُزُوْغِ هذا الابتلاء؟ ، ألم تكن على وشك بأن تَلِجَ تلك الغرفة ،وكان جسدك مقيدا بأربطة أشبه بأغلال سجين؟، ألم تكن أنتَ الحالة الأولى-كما أخبروكَ من قبل- ، لم جاءتْ حالات مفاجئة، فأصبحت الحالة الثالثة ؟، ألم تتحول فجأة إلى الحالة الثانية؟ ألم يتحول فكرك حينها من التفكير في المخاوف إلى التفكير متى سَيَحِيْنَ وقت دخولك لتلك الغرفة، وتنهي أمرها ألم تسائل نفسك لِمَ تَغَيَّرَ ترتيبك فجأة إلى الدور الثاني ؟ ألم تَعِ بأنَّ الأمر مِنَةٌ من الجبار؛ ليتعمق اليقين بداخلك ؛ وليبددَ غشاوة المخاوف.

ألم تَعِ ذلك بأن الله ما أرسل ذلك إلا لِيُوْقَِد جَذْوَةَ اليقين في مَحَجَّتِكَ ؛ولْيَسِيْلَ رحْمَتَهُ المُبَارَكَةَ على جسدكَ؟ ؛فهو الذي  أرسلَ  تلك النفوس الطيبة ؛لتداويك بكلامها الحَاني وإخلاصِها المُتَنَاهِي  تلك القلوب المُتَشَرِبُةُ بالبياض من طبيب وملائكة الرحمة ، لم لمحتَ فيكَ بعد ذلك نَدْبَةً في جدار يقينك؟.

لِمَ دخلتَها هذه المرة ببدايات وكانت من قبل بلا أَوَّلِيْاتٍ؟ لِمَ دخلتَ هذه المرة في عالمك الثاني، لِمَ عظام ظهرك صغرتْ فجأة  وهم يبحثون عن أَوْرِدَةِ دَوائِكَ فيها ؟هل لأن ربكَ يعلم بأنك لا تحتمل ذلك؟، ما بعث الله ذلك إلا ليقوي يقينك لكني أراه لم يكتمل فهو في تربيعه لم يَسْتَدِرْ إلى بدر.

لِمَ طال مدة مكوثك في تلك الغرفة على غير السابق وتم كل شيء بنجاح وتوفيق من الرحمن؟.

لِمَ يقينك بعد هذه العلامات لم يصل إلى المرتبة العلوية التي لا ترجو إلا الله؟.

لم مكثتَ أياما وأنت ترقب علامات شفائكَ ولكن ما بالها لا تتقدم كأنما ربطتْ بقيود أرضية، تزيد من الذكر وهي تخرجك من شدة لتدخلك إلى أخرى ، ألم تعِ بأن هذه العلامات لتطهرك من كل ما يَشُوْبُ يقينك فكأنما هي المصفاة ليتم ؟، ولكني أراه لم يثبتْ على أرضه الصلبة وظني بأنه غادركَ وهو في ضَعفه، وإلا فَلِمَ غاب عن عينيك الكرى؟، لم بِتَّ تشجع أنينك؟ لِمَ أصابكَ الكَمَدُ عندما رأيتَ هذه العلامات التي بها شفاؤك تتراجع؟.

رأيتك وأنت في دهاليز المشفى وخطاكَ المتثاقلة كمن غطاها طين الأَوْحَالِ وإنْ حاول الدم  أنْ يجددَ الحياة فيكَ إلا أنني أحسبكَ لم تجددها في يقينك ألم تكن حين يحدثونك بأن السماء تمطر رأيتها بأنها تبكي لبكائك؟ ، لِمَ رأيت جدران المشفى كأنها مِشْنَقَةٌ لن تعيدك للحياة؟،  لِمَ كنت ترى ابتساماتهم وتحاياهم بنفس منقبضة سوداء متعجبة مع أنك كنتَ في أول خطوة لِبُرْئِكَ،أَلَمْ تَعْتَرِيْكَ تلك المشاعر في ممر المشفى وأنت تستعد للمشي نحو الحياة من جديد ،هل بعتَ يقينك والثمن سواد لا ينتهي؟ هل أيقنتَ بأنكَ لن تعود  للحياة و لن ترى الشمس الحيَّةَ بِغَدَاةِ مشرقِها وأَوْبَةِ مَغْرِبِها؟ لِمَ وَقْعِ أقدامهم رأيتَها كأنها تحمل الأخبار الباكيةوإنْ كانتْ لا تحمل إلا البشرى.

لِمَ لَمْ تَزَلْ ترقب علامات شفائكَ وتراها بنظرتِكَ البائسة بأنَّها لا تتقدم مع أنها ما لبثتْ يسقيها لطفُ الله؟ هل لأنَّ يقينكَ حينها لم يثبتَ ؟ لا أظلمك يا قلبي فالْمَحْمَلُ عليك ثقيل، كنت متعبا لم يزرك الكَرى لكنك ربطّ حبالك بالله واليقين به ، وكل ما خَالجكَ ما هو إلا وسوسة تحاول أنْ تخرجكَ عن جَذْرِ يقينكَ المُتَغَلِلٍ في أنفاس حياتك لا غير ، و أنا على يقين ياقلبي بأن يقينكَ قد وصل منتهاه . هيا ارتح قليلا هيا نَمْ افصل نفسك عن هذه الوسوسة نَمْ أنتَ قادر على ذلك بلا شك ، وإنْ كنتَ تهاب النوم ، هيا يا قلبي ولو لبضع دقائق فقد أخبرتُها بأنْ تحضرَ ولا أعلم بما كنتَ ستبوح لها! نَمْ الآن حتى تحضر هذه مجرد وسوسة بلا شك. هيا نَمْ ولو قليلا انسَ كلَّ شيء.

يا إلهي ، لقد تحققتْ المعجزة فقد زارك الكرى وألقى بسلامه على فكركَ المضطرب، وهَدْهَدَ عينيّك بأغاني السلام فاطبقتْ جَفْنيها لِبِضْعِ دقائق لكنها في امتدادها تعادل يوما ؛ لأنها نامتْ على فراش اليقين الذي نادى بشائر الفرح ؛فانصبتْ كغيوم تلاحمتْ. الكل قد تجمع حولك يا قلبي  بابتساماتهم الحنونة التي تأخذكَ إلى امتداد الربيع ومدفئة الشتاء ، وأخذوا يتفحصون علامات بِرْئِكَ، ويا لَلْفرحة! فقد بدأت بالظهور كبذور صغيرة توشك أنْ تشق الأرضَ وترى النور. كم كانت الفرحة عظيمة عليك ! فرحتكَ التي أخبرتهم حينها بأنك تود أنْْ تعانق كل من في المشفى، تلك الفرحة التي بكيتَ بعدها بكاء من ظفر بِكُنْهِ اليقين ،وتَشَرَبَ بِنَفَحَاتِ الرحمةِ ، وما زالَ يا قلبي يَقِيْنُكَ يحْنِي أغصَانه عليكَ لِتَسْتَظِلَ به ففي كل مرة تذهبُ فيها إلى طبيبكَ جعلتَ التوكل على الله نُصْبَ عينيكَ و يخبرك طبيبك بأنَّ الأعراض قد تلاشتْ وذلك لأنَّ دفعها يقينكَ المتوكل على الله ،وأيقنتَ يا قلبي بعدها بأنَّ مع اليقين الثابت بالله يأتي الفرج ؛فكنْ مع الله يكن معك.

*(البشارة المحمدية)هي رؤيا رأيت فيها سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يتوسط صفا واحدا مرصوصا لصلاة الجنازة فقط رأيتهم مصطفين للصلاة دون صوت بأثواب ناصعة البياض ولكني رأيتهم من الخلف لم أرهم من الأمام وفي الرؤيا بقية أحداث مبشرة.

صلاة الجنازة هي جعلتني في حالة خوف جاهدتُ نفسي في مقاومتها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights