الحركة النسوية الجزء الثاني ” نماذج من الحركات النسوية الغربية“
كاذية البيمانية
إن موجبات وجود الحركة النسوية في الغرب هي صورة المرأة في المصادر الثقافية الدينية والفكرية والسياسية الغربية، وبالتالي فالحركة هي نتاج المجتمع الغربي وثقافته وليست نتاج المجتمعات الأخرى، لكن فكر هذه الحركات لم يسر على نفس النهج وإنما تعددت واختلفت في المطالبات، حتى وجد نقد بين بعضها البعض وتضارب في الأفكار والمطالبات وهذا مما يؤخذ عليها، من نماذج هذه الحركات:-
الحركة النسوية الليبرالية:
بدأت تنتشر الحركات النسوية المطالبة بتحرير المرأة في جميع المجالات، فكانت الحركة الليبرالية حيث أطلق أفراد هذا التيار على أنفسهم لقب ” حركة تحرير المرأة “، التي تبنت مبادئها مفكرات أمثال دي غوج الفرنسية، وماري ولستونكرافت البريطانية، والتي أسسها جون لوك وطورها بتنام ومل من أقدم الحركات النسوية، حيث قادها فيما بعد هاربت تايلور في القرن التاسع عشر لنشر المبادئ الديمقراطية والمطالبة بحقوق النساء، كما ارتبطت الحركة الليبرالية في الولايات المتحدة مع حركة “Now” التي طالبت بمنح النساء فرصاً جديدة، وفي بريطانيا طالبت الحركة النسوية بإنهاء التمييز الجنسي وبالمساواة في الأجور، حيث نظّمن حملات مناهضة من أجل تغيير القوانين الظالمة للنساء فطالبت بكتابة القوانين بلغة محايدة جنسياً، ولكنها سرعان ما تنازلت عن هذا المطلب من لأجل أن تنال المرأة إجازات الحمل والأمومة على اعتبار أن هذه القوانين لا تتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص، كما أنها سعت للمطالبة بتخصيص أموال لدعم الإجهاض ودعم برامج تدريب النساء، ولتوفير مراكز عامة ومدارس لجميع الأطفال على اختلاف مستوياتهم المعيشية، فأيدت مبدأ الخصوصية لتبرر دعوتها لإلغاء القيود التي تعترض حق النساء في ممارسة الجنس والإجهاض بحريّة تامة، وأكدت على حق الفرد في تحقيق ذاته وتمسكهن بالتقييم الليبرالي التقليدي للعقلانية وضرورة انخراط النساء في الأعمال العقلية مثل الطب ونحوه، ولم تتجاهل الحركة النسوية الليبرالية العائلة حيث إنهن يعتقدن أن من الأفضل أن يقوم بتربية الأطفال ورعاية المسنين والقيام بأعمال المنزل من طعام وغسيل وغيره أناس مدربون محترفون، ويمكن عندئذ للنساء الراغبات بالقيام بهذا العمل بوصفهن أنهن يتمتعن بإحترافية في هذا المجال القيام بهذه الوظيفة مقابل أجور، وبالتالي سوف يجذب هذا العمل النساء للانخراط فيه، وعليه سيزول شعور النساء دون أن يشعرن بأنهن مجرد خادمات في المنزل، أما ما يتعلق بحماية المرأة المتزوجة فقد طالبت الحركة بتغيير تشريعات الزواج بحيث تكون لها تفصيلاً تحت سقف القانون، وبالتالي يصبح مثل عقد العمل، إذ إنهن لا يقبلن بزواج يشبه العبودية، وباعتقادهن لا بد أن يضمن لهن قيمة اقتصادية تعادل قيمة عمل الأزواج خارج المنزل، ومن جانب آخر دعت لتدخل الدولة لتحقيق هذه الأغراض لكن بعض الليبراليات رفضن هذا التوجه لاعتقادهن أن الحكومة أداة أبوية لا يمكن الوثوق بها لتحقيق حقوق النساء.
2- الحركة النسوية الماركسية:
نشأت الحركة النسوية الماركسية نتيجة ارتباط بين النسوية والماركسية معاً _فيمينزم (الحركة النسوية )_ ، فكما استخدمت النسويات تعاليم الماركسية لتحقيق أهدافهن، فكذلك استخدم الماركسيون قدرات النساء لتحقيق أهدافهم الماركسية.
حيث تصور “ماركس ” أن النظام الرأسمالي القائم على أساس الملكية الخاصة أدى إلى تقسيم المجتمع إلى طبقتين: رأسمالية وطبقة عاملة، وبما أن بقاء هذا النظام يعتمد على المزيد من الأرباح، لذلك فإنه حتى تحافظ الطبقة الرأسمالية على وجودها لا بد من التسلط والاستغلال والظلم للطبقة العاملة، وبالتالي فإنه لا بد من تقسيم المجتمع إلى طبقتين ظالمة ومظلومة، كما أن النظرية الماركسية أكدت أن جوهر الإنسان هو العمل وليس العقل مما أدى إلى تقسيم الحياة إلى ساحة عامة وساحة خاصة في الرأسمالية، وبالتالي فمساحة المرأة هي المساحة الخاصة وبينما المساحة العامة هي من نصيب الرجل، ثم قسمت النظرية العمل إلى إنتاجي وغير إنتاجي، فكان العمل غير منتج من نصيب المرأة والذي يتمثل في الإنجاب والتربية والعمل المنزلي، أما العمل المنتج فهو من نصيب الرجل، نظراً لاستخدام ماركس مفهوم مجرد فلم يأخذ بالاعتبارات مسألة العلاقات الجنسية والقمع الذي تتعرض له النساء حيث وضع المرأة في إطار العائلة ولم يميّز بينها وبين الذكر، مما جعل المفكرين الماركسيين بعده يركزون اهتمامهم على علاقة العائلة بالإنتاج الرأسمالي وأهملوا أوضاع النساء.
فقامت النسويات باستغلال كافة النظريات التي طرحها ماركس عن طريق تحليل وضع المجتمع وتحليل وضع المرأة وبأنها تعيش في وضع من عدم المساواة والتمييز، مما ترتب عليه الحركة الماركسية النسوية إحدى الحركات النسوية التي انبعثت عام 1920م، حيث طرحت المفكرات الماركسيات مواضيع تخص النساء على جدول أعمال البيان الرسمي في الحزب الشيوعي، ومن هذه المواضيع أن الأعمال المنزلية عامة ونموذج الإنجاب الذي ينتج عنه غالباً سلوك استبدادي يتبدى في العلاقات ما بين الأفراد في العائلة، لكن هذا الموضوع لاقى سخرية من قبل الذكور من أعضاء الحزب وتم حل القسم الخاص بالنساء في عهد ستالين إلى أن انتعشت مره أخرى في عام 1960م، حيث سعت الحركة إلى النضال ضد الرأسمالية فساهمت مساهمة رئيسية في النظريات المتعلقة بتوزيع العمل والتوظيف والأعمال المنزلية وسوق العمل.
3- الحركة النسوية الراديكالية:
وقد طرحت الحركة النسوية الراديكالية (1960-1970م) أسلوب فهم جديد للعلاقة ما بين الجنسين عبر التاريخ بقيادة مفكراتها شالميث فايرستون وكيت ميليت، حيث تلخصت عقيدة الحركة إلى أن النساء مقموعات دائماً من قبل الذكور، وذلك يعود إلى النظام السلطوي العالمي المعروف باسم “النظام الأبوي ” الذي يقع تحت سلطة الرجال، وأن نظام الجنوسة هو نظام اجتماعي يصنف الناس والأشياء بعبارات تميز ما بين الذكورة والأنوثة، ومن هنا نجد أن الفكر النسوي الراديكالي يعتمد على التقسيم الاجتماعي الجنسي خلافاً للتقسيم الطبقي في الفكر النسوي الماركسي، حيث اعتبرن قمع الذكور للإناث هو الأول على كل أنواع القمع، ومن هنا اعتبرت الحركة الراديكالية نفسها ملاذاً للنساء لما تبنته من أفكار ضد العنف ضد النساء، كما قامت مفكرات الحركة بإثارة أزمة الاغتصاب وطالبت بإيجاد مأوى للمغتصبات والمهاجرات، فكان للفكر الراديكالي دور في انبثاق الحركة الصحية للنساء التي جعلت شعارها ” أجسامنا نفوسنا”، حيث أثر الفكر الراديكالي في كل فكر نسوي ظهر بعد عام 1960م، وارتبط بالحركة النسوية الفرنسية وغيرها من الحركات، وقد اقترحت الحركة النسوية الراديكالية لهزم النظام الأبوي زيادة الوعي لدى النساء حول قيمتهن ومنزلتهن والأبعاد الخفية لظلم الرجال، نادت الحركة أن على النساء الانفصال عن المؤسسة الذكورية وتأسيس منظمات خاصة مستقلة بالنساء، وبما أن الظلم عام بالنساء من وجهة نظرهن فإنه لا بد من اتحادهن للقضاء على النظام الأبوي وبالتالي القضاء على الدور الاحتكاري للرجال، كما شجعن السحاقية (المثلية الجنسية) الذي انتقد بشدة الزواج المغاير وطالب بتشريع يقر الجنسية المثلية؛ حتى يتحقق الانفصالية عن النظام الأبوي وللوصول إلى الهوية النسائية بالتحول الكامل حسب نظرتهن.
خلاصة تحليل للحركات الثلاثة:
نلاحظ أن الحركات النسوية قدمت آراءً ووجهات نظر مختلفة عن تصويرهن للظلم والقهر والقمع الموجّه للمرأة، وذلك نظراً لكون أن لكل مجتمع تقسيمة خاصة قائمة على أساس الجنس يعيق تطور قدرات النساء واستعداداتهن مما ينتج عنه تبعيتهن للرجال وبالتالي هيمنتهم عليهن، فالليبراليات أكدن أن معظم الفروق بين الجنسين هي فروق ترجع لأسلوب التربية والنظام الاجتماعي السائد وإن لم ينكرن الأصل البيولوجي للفروق الجنسية، وأنكرن أن تكون هذه الفروق البيولوجية هي سبب القمع الموجه لهن، وبالتالي فثقافة المجتمع هي التي فرضت عليهن أدوار الزوجات والأمهات، وعليه يمكن من وجهة نظرهن أن تتحقق المساواة إذا منحت المرأة حق المواطنة التي حصل عليها الرجل.
ولكن نجد أن الليبراليات غفلن عمّا سيترتب على اقتراحهن هذا من مشكلات تكون وبالاً عليهن؛ لأن مبدأ الفردانية الذي يتمسكن به والذي يقدم مثال الحرية والمساواة التامة لا يمكن أن تتحقق بين الرجال والنساء إلا إذا تخلين عن وظائفهن البيولوجية من حمل وولادة وإرضاع وتربية، وبالتالي تخلين عن خصائصهن الأنثوية وهذا لا يتسق وروح العدالة أحد مبادئ الليبرالية.
بينما الماركسيات اعتبرن أن ما تنتجه المرأة في المجال الخاص أقل قيمة مما تنتجه في المجال العام لذلك اعتبرت مواطنة من الدرجة الثانية، وأن تبعيتهن للرجال ينقص من قيمتهن وتجعل حياتهن تتركز على العواطف بينما يكون الرجل منشغلاً بالنشاط الحقيقي، وهنا نجد أن النساء الماركسيات أغفلن المهارات والقدرات التي تكتسبها المرأة من اندماجها في العمل الخاص من حمل وولادة وتربية والتي تجعلها تتميز عن الرجال؛ وذلك لافتقار الرجل للقدرة على التفاهم مع الأطفال وإقامة العلاقات مع الآخرين، وصفات الصبر والتفاني والإخلاص إضافة لمهارات أخرى، وإذا كانت الماركسيات يدّعين أن الظلم عن المرأة لن ينزاح إلا بإزاحة النظام الرأسمالي؛ فهذا يثير تساؤلاً لماذا إذاً أوضاع النساء ظلّت على وضعها في ظل الأنظمة الاشتراكية؟
وبالنظر إلى الحركة النسوية الراديكالية نجدها أنها لم تنكر الصفات التي تميّز النساء عن الرجال في نظرة مختلفة عن نظرة الماركسية والليبرالية، حيث أكدت على الفروق بين الجنسين على أساس بيولوجي محدد باختلاف فيزيولوجية التناسل، فتمسكت الراديكاليات بالثنائيات وبالحتمية البيولوجية وهذا يترتب عليه إقرارهن بالصفات الثابتة للجنسين، فترتب عليه أن تظل أوضاع النساء على حالها، وعليه فإن جنسانية المرأة هو الذي يفسر دعوة المرأة إلى المساواة في الأنظمة الليبرالية وفي ظل الاشتراكية التي ألغت التمييز الطبقي، وهذا ما يتعارض مع دعوتهن إلى تغير وضع النساء، ونظراً لتمجيد الحركة الراديكالية لصفات النساء ومبالغتهن في ذلك فقد وصفته مذاهب أخرى بأنه تفسير متصدع غير منطقي، ومما يبدو أنه غير معقول في فكر الراديكاليات الاقتراح بالإستغناء عن المؤسسات الذكورية بما فيها العائلة وأن يستبدلن العلاقات الجنسية مع الرجال بممارسة السحاق أو الإهانة الذاتية لما سيترتب عليه من مشاكل عظام منها فناء الجنس البشري وانتشار الأمراض الناتجة عن العلاقات الجنسية الشاذة من ناحية، إلى جانب زيادة تقوقع النساء على بعضهن وانعزالهن؛ وبالتالي تعمق الأنانية والنرجسية فيهن ولن يكون الاقتصار بتدمير العلاقة بالرجال فقط وإنما تدمير العلاقات بين النساء أيضاً، ومن هنا ندرك أن هذه الحركة غير سوية في الأفكار التي تتبناها.