العقل البشري وفيزياء الكم – مقاربة جديدة
صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراة في تنمية الموارد البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا
عكف المفكرين في التنمية البشرية طويلاً على دراسة قانون الجذب وعلى دور العقل الباطن في جذب الأشياء التي يركز عليها الإنسان سواء كانت إيجابية أو سلبية، ثم عرضوا تطبيقات كثيرة على إعادة برمجة العقل الباطن لجذب الإنسان ما يريد والتخلص مما لا يريد، مثل تقنية التكرار 21*7 ، تقنية الإيحاء، تقنية الفلم أو السيناريو، الكثافة الحسية…إلخ. كان مفكرين مثل الدكتور جوزيف مرفي من أوائل الذين بحثوا في هذا الجانب، وظهر فيما بعد آخرون مثل ايستر وجيري هيكز، ولين ماجتاجريت، ديباك تشابرا، ووين داير وآخرون، يشرحون قانون الجذب لاجتذاب ما نرغب به عندما نوجه طاقتنا وتركيزنا واهتمامنا عليه.
بدأت رحلتي الفكرية في هذا الجانب بقراءة الكثير من الكتب من وجهة نظر غربية بحتة على مبدأ الحكمة ضآلة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها، وحاولت مراراً أن أفهم كيف تتم هذه العملية، كوننا كائنات عقلانية، وندرك أن لكل نتيجة سببا، وأننا نعيش في عالم الأسباب، وبالتالي فهمنا لآلية عمل هذا القانون يجعلنا نؤمن به أكثر، ومع الوقت وجدت نفسي أقرأ في فيزياء الكم، والعلاقة بين المادة والطاقة، حتى وصلت إلى الذرة وتكوينها والنظريات الكثيرة التي بدأ بعضها ينقض بعض عن تكوين الذرة وآلية دوران الإلكترونات حول النواة (نظرية بور في الذرة)، فكل شيء يبدأ من هناك، من الذرة إلى المجرة كل الكون يتحرك بنظام محكم دقيق جداً، وأن الفراغ الذي نراه لهو بحر من المكونات المتناهية في الصغر، وأن هناك أربع قوى رئيسية في الكون تحكم وتضبط مكوناته، اثنين منهما داخل النواة، واثنين خارجهما(بيًّنهم الدكتور زغلول النجار في كتابه النفيس السماء)، لكن لم أجد ما يشفي غليلي ويجيب على أسئلتي الحائرة، فجميعهم يتوقف عند نقطة أن التفكير يؤثر في جزئيات النواة التي هي داخل الذرة ويجعلها تتحرك بمسارات متوافقة مع قناعتك أو رغبتك، لكن كيف يتم هذا الأمر؟! لا أحد يجيب.
في عالمنا العربي كان للباحثين العرب مثل الدكتور محمد التكريتي والدكتور صلاح الراشد والدكتور إبراهيم الفقي دور في توضيح هذه الآلية ولكنها أيضاً لم تتجاوز ما ذكرناه سابقاً، على أن بعضهم بيّن ولو بشيء من الاختصار أن هناك أدلة شرعية على هذا القانون، مثل قوله سبحانه في الحديث القدسي” أنا عند ظن عبدي بي” ففسروها على أن الظن هو الذي يُحرك الكون ويجعله متسقاً مع ما تفكر فيه سلباً أو إيجاباً ويكون انعكاساً له، فهو سلاح محايدا يعتمد على طريقة استخدامك له.
إذا كنت أحد القراء والمهتمين في مجال التنمية البشرية وتطوير الذات وقرأت بعض الكتب في التفكير الإيجابي أو قانون الجذب أو كتاب السر ستجد أن المفكرين حددوا شروطاً لعمل هذا القانون، ومنها:
1. التركيز: وهو أن تكون مُركزا على الهدف الذي تريد تحقيقه من دون ملهيات أو مشتتات.
2. عدم الشك: أن يكون عندك يقينا بتحقيق ما ترغب يقيناً لا يساروه أدنى شك، بل لدرجة أنك تتخيل نفسك بعد تحقيق الهدف، والأصدقاء يهنئونك بالنجاح وتحقيق الهدف، وتعيش هذا بكل مشاعرك كأنه حقيقة.
3. التكرار: وهو أن تُكرر رغبتك كثيراً لبرمجة عقلك الباطن، كأن تكرر طلبك 21 مرة خلال 14 يوما أو العكس.
من هنا حاولت أن أبحر أكثر في هذا الموضوع، فقد ظل من ذلك في نفسي شيئا، على أنّي مسلم وأريد التأكد أن الاعتقاد بهذا القانون لا يخالف عقيدتي في ديني، فتوصلت إلى شيء أحسبه مقاربة جديدة لهذا القانون، وقد لاح لي على ضوء قراءاتي في هذا المجال، فوجدت ضالتي أخيراً عندما توصلت أن قانون الجذب يقابله في الإسلام الدعاء، ووجدت أن لكل شرط من الشروط التي ذكروها حديث شريف يقابله:
1. ففي مجال التركيز وإعطاء الانتباه للرغبة: حديث ” فإن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه”(الترمذي).
2. وفي مجال اليقين وعدم الشك: حديث” ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة”(الترمذي).
3. وفي مجال التكرار: قد ثبت ذلك من فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، روى مسلم (1794) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا)، وقال ابن القيم رحمه الله في “الداء والدواء” ص 25 : ومن أنفع الأدوية : الإلحاح في الدعاء.
وهكذا هدأت نفسي وبدأت أبحث أكثر وأكثر في الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على الدعاء وأهميته ومكانته، فوصلت إلى أنّه التعبير الحقيقي عن العبودية، بل أن الإنسان لا يكون مؤمناً حقاً إلا إذا كان يدعو الله، ففي الحديث “الدعاء هو العبادة “لأن ذلك يتحقق معه عقائد كثيرة حول أسماء الله جلَّ وعلا وصفاته، فأنت عندما تدعو تدرك في عقلك اللاواعي (الباطن) أن هناك جهة علوية وتدرك أنها قادرة على تحقيق مبتغاك فيتحقق اسم الله القدير، وتدرك أن هذه الجهة تسمعك فيتحقق اسم الله السميع، وتدرك أن هذه الجهة تعلم حالك فيتحقق اسم الله العليم، وتدرك أن هذه الجهة ترحم حالك فيتحقق اسم الله الرحيم، وهكذا مع كل اسم تقريباً، تتعرف على أسماء الله وصفاته بدعائك إياه.
وهكذا تتحقق العبودية بشكلها الصحيح، فحديث النبي صلى الله عليه وسله بأن “الدعاء هو العبادة” لهو حق، نزل من الحق سبحانه، ومنذ ذلك الحين صرفت تفكيري وجهدي لأن أتعبد الله بهذه العبادة الخفية الحقة، وهي مفتاح لكل مسلم وسلاح المؤمن الدعاء ولا يهلك مع الدعاء أحد، وهي من وحي النبوة المنير. فبالدعاء يتحقق المطلوب ويبتعد المرهوب، بل وأن الدعاء يدفع القدر بأمر الله، فنحن ندفع قدر الله بقدر الله كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فندفع الجوع بالأكل والمرض بالتشافي وهكذا. وقد ورد في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم ” لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وأن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة ” رواه الحاكم والبزار، وورد أيضاً” لا يرد القضاء إلا الدعاء” رواه الترمذى. وقوله الحق جلّ وعلا” يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) الرعد”. فقوموا رحمكم الله وغيروا قدركم بالدعاء فهو الوسيلة الأمضى والسلاح الأقوى لجلب كل مرغوب ودفع كل مكروه. فسبحان من قال” ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ .