حروف بدون نقط
راشد بن حميد الجهوري
لا أدري أي مشاعر تلك التي هزت حرف (ش) حتى تساقطت نقاطه؟! فصار (س)، وبذلك صار الشوق سوقا للشعر والخاطرة، فآثرت الحروف بعد ذلك النوم، وتدثرت بعباءة العجز فكانت الأحلام أضغاث من الكلام البليغ، وعلى وسادة الراحة لم يكن هناك مبارزا في الساحة.
حتى جاء الإلهام من جديد، وأخضرت روابي الحروف، واستوى على سوقه بل شوقه عنصر القريحة لأنه استعاد من (ش) الشمس نقاطه الثلاثة فكان السعر شعرا، ولكن أين سوق عكاظ؟!
هذه هي حكاية (الحروف) تحذر الوقوع في فخ الحتوف، فتارة تراها في صباحيات الحياة تتلو سورة الإنشراح، وتارة تراها في قافلة أبي سعف يحدوها الشغف، وبين هذا وذاك تنام القيلولة تحت ظلال النخلة الميمونة، ولا أدري بعدها هل تأكل من جابر الشهية (الجبري) أم لا تبرح حتى تأكل من (البرحي)؟!
وانتشت حروفي مرة أخرى تحت وقع رعود سحابة البلاغة، فلم يكن إلا طل من المشاعر، وكنت أحسبها سحابة الرصافي أو السياب أو نزار فلم تكن إلا حفلة من خرافات الزار، تتمايل بين الحقيقة والوهم، حتى أصبح حرف (ق) كليل الفهم، وما زالت تلك حاله حتى فقد هو الآخر إحدى نقاطه، فكان ممسوخا إلى (ف)، فكانت الرشاقة سخافة، وكانت الأناقة تفاهة، وليت شعري أين أجد سكرابا للحروف التالفة؟!
عقارب الساعة لا تتحرك، والسبب بسيط: لأن الثواني نائمة في أحضان التسويف، ولا تكترث للتخويف، وعاد فجاءة حرف القاف إلى نشاطه المعهود فكان التسويف تسويق، وتحركت الثواني نحو الأمل والعمل، فصنعت دقائق من الأجر المستمر، وساعات من العطاء المنهمر، ثم كان الهروب نحو الغفوة من جديد، فهل هي استراحة محارب أم عجز قادر؟!