2024
Adsense
مقالات صحفية

قد لا تكون مشكلة

هلال بن حميد بن سيف المقبالي

قبل كتابة هذا المقال، كنت قد ذهبت لزيارة صديق لي أعزه أكثر من الأخ وهو كذلك، أخبرني بقصة قديمة جداً تكاد قد نسيت؛ ولكن جاء أحدهم وحرك الوتد،”كما يقال”، ليس قصدًا منه لخلق مشكلة، ولكن لمعرفة ما انتهت عليه المشكلة فقط؛ ولكنه أيقظ الجمر الخامد بسؤاله “هين وصلت مسألة أولاد فلان؟” وسمعت “كذا، وكذا، وكذا”، فكان الوقود الذي أشعل ما تحت الرماد. قصة عندما سمعتها طار منها عقلي كيف لا وهي حصلت بين أقرب الناس -الأخوة-، لم يتمالك صديقي نفسه وهو يحكي لي القصة، فأجهش بالبكاء حتى أبكاني معه.

قصة قديمة كان صديقي هو الضحية، ولا تزال تبعاتها تلازمه بلا ذنب اقترفه إلا أنه (الأكبر)!. قصة لا يسعها مقال واحد لو كتبت، فكانت فرصة لي بأن أنشرها مجزئة، ربما لثلاثة أو أربعة أجزاء، و عندما استأذنته لنشر القصة للعبرة فقط، رفض و اعتذر لي وقال “لا أريد أن أكون من يزيد النار حطبًا”، وحسبي الله على من كان سببًا في ذلك؛ احترمت قراره وعذرته، ولكن بقيت القصة التي بسببها تباعد الأخوة، وقست قلوبهم على بعض عالقة في الذهن.

إن مثل هذه المشاكل كثيرًا ما تحدث بين الأقارب، فهل فعلًا صدق القول السائد “الأقارب عقارب” وغاب عنا قول “الأقربون أولى بالمعروف”!!.

من المؤسف حقاً أن تجد من يسعى للحل ( بين الطرفين) هو من يزيد النار حطبًا، ويشعل ما كان خامدًا؛ ربما ليس بقصد منه إنما من الجهل بالموضوع فقط ، فلا استمع لهذا و لا استمع لذاك، وإنما ربط الموضوع على تصوره الخاص، و مما سمعه من هنا وهناك، فينقل عن هذا ردة الفعل للآخر دون أن يبين الوضع والموقع اللذان كانا فيه، فيزيد الطين بله، وتزداد فجوة الخلاف، وتعود لأسوء مما كانت؛ فينسحب المصلح مهرولًا بعد تفاقم المشكلة دون أن يعتذر هو الآخر عن سوء فهمه وادارته الخاطئة لحل المشكلة، مما يزيد في تأزم الأمر، و تزداد وتيرة الخلافات، وهذه المشكلات قد تحدث في العمل وبين الأحباب والأصدقاء، وحتى في الأسرة الواحدة، وربما في البيت الواحد بين الأخوة والأخوات؛ فتطول بهم الأيام في تبادل الكلام وتجريم الآخر، وتشويه سمعته بين الآخرين، وإظهار عيوبه ونقل ما لا يليق عنه، وكأنها حرب مستعرة بينهما.

ليس بالغريب لدى الجميع أنّ هناك مشاكل تظل خالدة قد يتناقلها الأجيال من آباءهم رغم أن الأبناء أصبحوا يحملون الشهادات الدراسية الجامعية؛ لكن عجزت هذه السنوات من التعلم أن تغير الفكر المختزن بين براثن الذاكرة المتراكمة، و قد لا تكون مشكلة بمعنى مشكلة، إنما قد تكون سوء فهم، أو تصرف خاطيء وقع تحت ظرف ما أوجد مشكلة واستمرت دون حل حتى تراكمت وتناقلت بين الأجيال، وأصبحت واقع مؤلم يدمر أواصر الود بين الأجيال القادمة، وأنّ هذه التناقضات والمضادات في الأقوال والأفعال هي ما يولد المشاحنات بين المتخاصمين، و تتطور هذه المشكلات، ولو اعتمد الآخر سياسة الأخذ والعطاء والتجاهل والتضحية لاختلف الأمر تماماً؛ ولكن الكل مصر على موقفه ويعلم علم اليقين أنه مخطيء، وربما أساء للآخر قولًا وفعلًا؛ لكنه لا يعترف أبدًا، ويكابر لعله يجد ثغرة يتحايل بها على الآخر، ويترك هذا الخطأ يتحمله الآخر، فهل الآخر سيقبل بخطأ لم يصدر منه ويحاسب عليه؟ طبعاً لا، ولكن لو اعترف الآخر بخطأه واعتذر، لكانت المشكلة تقلصت ولو جزئياً، فلماذا نفتح المجال لكي نغلق راحتنا بتفاهات وضيعة، لتصبح مشكلة و تكبر وتتكاثر أوجهها، و تتنوع أذرع الخلاف فيها، والأمر برمته ربما لا يستاهل كل هذه المشاحنات التعصبية، والتي ستجر ذيولها لأجيال قادمة، وتؤثر على العلاقة المستقبلية بين هذه الأجيال.

الإسلام بما يحمله من قيم وعقائد هو المرجع الذي يحكم ويحدد علاقات المجتمع، ولكن رغم هذه القيم و العقائد إلا أن هناك الكثير من قصص الخلاف الأسري والعائلي؛ وهنا الواحد منا يتساءل هل من المعقول أن ترقى الخلافات البسيطة إلى مشكلة تظل قائمة، وتزداد تفحلًا بين أفراد الأسرة، رغم وجود أكثر من حل، فقط يراد الاستماع لهذه الحلول؟، ولكن نرى أن تعند الآخر، حال دون وضع هذه الحلول موضع الاستماع لها، وقد يكون السبب في تقريب وجهات النظر، والتقليل من أفتحال المشكلة، والمخرج من جميع التراكمات المختزلة، فلماذا نصنع من الاختلافات البسيطة مشكلة تسرطن علاقاتنا الأسرية خاصة وعلاقتنا المجتمعية عامةً، و نؤذي الأجيال القادمة بذلك الخلاف الذي لا ذنب لهم فيه إلا أنهم ولدوا في هذه الأسرة، وهذا المجتمع؛ و يصعب مع مرور الوقت استئصال هذه المشكلة، _وخاصة إذا وجد من يغذيها من شياطين الأنس_، ولولا هذا التعند كان من السهولة علاج المشكلة في حينها إذا وجد العقل المتفهم، والرأي المحكم، والصدر الواسع، وأهم من ذلك وجود الاحترام المتبادل؛ فإلى متى تظل العلاقات متوترة بمشكلة قد لا تكون مشكلة؟ إنما كانت خطأ أو سوء تصرف من جانب آخر.

ختاماً: نقول كما يقال ليس للاقتناع قيمة إذا لم يتحول إلى سلوك..

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights