النَزْر اليسير من تاريخ قبيلة بني لمَك (الجزء الثاني)
تأليف : ليلى بنت سعيد بن حمدان اللمكية
( أم عبدالرحمن )
2020/2021 م
نَكْبة بني لَمْك:
تعرّض بنو لَمْك لنَكْبةٍ أدّت إلى تَشَتُّتِهم داخل وخارج عُمان، وقد اختلف المؤرخون في تحديد أسباب تلك النكبة وزمنها، فالرواية الأولى تذكر أن الحادثة وقعت في زمن الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، وقد كانت بسبب خِلافٍ حَصَل لقبيلتي بني لَمْك والعبريين، فقد قَدَحَ شخصٌ يُدعى سيف بن خنجر العبري في إمامة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي(1) فَوَجَبَ حَبْسه مَخَافَة وُقوع الفتنة بين الناس، فهَرب من الحبس، فقام أحد أفراد قبيلة بني لَمْك- يُدعى عمر- بملاحقته ولكن الأخير قُتِل على يد العبري، فوقعت الفتنة بين القبيلتين، فأرسل إليهم الإمامُ ناصر اليعربي الشيخَ محمد بن علي بن مسعود العبري ليُصْلح بينهما، ولكن بني لمك قتلوا مُوْفَد الإمام ناصر اليعربي ليلة وصوله، مما أدّى ذلك إلى إرسال الإمام ناصر اليعربي قوة حربية ضدهم بقيادةِ واليه محمد بن سيف الحوقاني(2)، وهَدَمَ حصونَهم بوادي السحتن، بالإضافة إلى هدم حصن الأبرق في الجهة الغربية الجنوبية من الرستاق لبني عدي جزاءَ تحالفهم مع بني لَمك(3).
واستسلم بنو لَمْك دون شرط أو قيد بعدما رأوا ضَعْفهم مقابل قوات الإمام ناصر اليعربي، والذي زاد من قوته أن قبيلة اليحمد كانت من أعوانه، وقد أودع الإمام ناصر اليعربي مَنْ شاء من أعْيان بني لَمْك في السجون. وقد ذكر هذه الحادثة الشيخ ابن قيصر الصحاري في كتابه “سيرة الإمام ناصر بن مرشد” بأبيات شعرية يقول فيها: –
لقد ظفر الإمام على الأعادي
بهدم حصونها مع كلّ نادي
فذلّت بعد عزّ واستكانت
وقد كانت لها خيرَ البلاد
مضى اللمكي مأسورًا بقصرى
قصير الخطوة مع من سوء العناد
جرى في تيهه من غير حلم
وما خشى العواقب في المعاد
فكان قِراهمُ قتلاً فسحقًا
لِقومٍ خالفوا سُبُل الرَشاد(4)
وأمّا الرواية الثانية تذكر أن الحادثة وقعت زمن حُكْم مالك بن أبي العرب اليعربي جدِّ الإمام ناصر بن مرشد اليعربي حاكم الرستاق يومئذ(5)، ومُفَادها أن السلطان مالك بن أبي العرب طلب من بني لَمْك دفع الزكاة، فرفضوا بحُجّة عدم فقههم في النِّصاب، فأرسل إليهم قاضيًا يعلّمهم نِصاب الزكاة، فبات القاضي في قرية الطباقة، وهو في طريقه إليهم –حيث مكان سكهنم في قرية فسح بوادي السحتن وكان أميرهم علي بن عديّ اللمكي- جاء رجلٌ منهم فقتله بعد صلاة الفجر، وعلى إِثْر هذه الجريمة جرّ حاكم الرستاق مالك بن أبي العرب جيشاً قوامه عشرة آلاف جندي بمساعدة أمير سمائل عمير بن حمي(6) ، فحاصرهم في حصنهم بقرية فَسَح في وادي السحتن، ونزلوا من الحصن على ذِمّة اليَحْمد(7)، ولكن الحاكم اليعربي لم يكفه منهم إلا قتل شيوخهم، وتفرّق أفراد القبيلة في قبائل عمان طلبًا للأمان، وتشتّتَ شَمْلُهم، فمنهم من خرج إلى الحوقين وما حولها، ومنهم إلى الباطنة – بركاء والمصنعة-، وبقي القليل منهم في موطنهم، ولكنهم قاموا بتغيير اسم القبيلة الأم باسم الفخيذة التي ينتمي إليها كالبسامي والمسقري والحمراشدي.
ومنهم الذين سكنوا قصرى من مناطق الرستاق وهم أولاد راشد الذين ظهروا في أواخر القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري، والذي منهم الشيخ راشد بن سيف بن سعيد اللمكي – مفتي الرستاق آنذاك-(8).
ومنهم من خرج إلى زنجبار وهم أولاد ذيب، ومنهم الشيخ ناصر بن سليمان بن راشد اللمكي باني بيت الظاهر، وتركّز بنو لَمْك في شرق أفريقيا في بلدة ساحلية تعرف ببلدة بنغاني، والتي تعتبر أكثر أملاكها لبني لَمْك ولبني عبدالسلام ولغيرهم من العرب كما ذكر الشيخ سعيد بن علي المغيري في كتابه “جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار”، وهي تبعد عن تانغة – أحد مراكز تجمع بني لَمْك في شرق أفريقيا – حوالي 32 ميلاً إلى الجنوب، بالإضافة إلى انتشارهم في مناطق أخرى بشرق أفريقيا مثل باجامويو عاصمة المنطقة الساحلية في شرق أفريقيا(9).
المصادر والمراجع:
1. الإمام ناصر بن مرشد من ولد نصر بن زهران، عقدت له الإمامة 1024هـ/1615م، ودفن بنزوى 1050هـ/1640م، لم ينجب إلا ابنة واحدة/جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، سعيد بن علي المغيري، تحقيق محمد علي الصليبي،ط4، 1422هـ/2001م)
2. (أحد ولاة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي في القرن الحادي عشر الهجري، ولاّه على قرية بات في محافظة الظاهرة، وعَهِد إليه بالتعاون مع والي الرستاق بتثبيت دعائم الدولة اليعربية في محافظة الظاهرة آنذاك، كتاب الصحيفة القحطانية، حميد بن محمد بن رزيق بن بخيت النخْليّ العُمانيّ، تحقيق وتقديم د.محمد بن مبارك السليمي وأ.د محمد حبيب صالح وأ.د علّال الصّديق الغازي،ج5،ط1،1430هـ/2009م،ص 200).
3. (نهضة الاعيان بحرية عُمان، مرجع سابق ، ص 276).
4. (وردت القصيدة كاملة في كتاب سيرة الإمام ناصر بن مرشد مؤسس دولة اليعاربة، عبدالله بن خلفان بن قيصر،ط1،دار الحكمة،لندن،1423هـ/2002م،ص ص 98-99.
5. (كانت الدولة العمانية قبيل حكم الإمام ناصر بن مرشد متفرقة كل منطقة تحت حكم أمير منفصل، وكانوا قبائل ومناطق متحاربة، ويصدق فيهم قول الشاعر:
وتفرقوا شيعاً فكل قبيلة…
فيها أمير المؤمنين ومنبر
كتاب عمان عبر التاريخ، سالم بن حمود بن شامس السيابي،ج3،ط4، 1421هـ/2001م ،ص 169)
6. (يُذكر بأن أمير سمائل كان يجهّز قواته لإخراج نبهان بن فلاح من ينقل، فبلغه مجريات الأحداث في الرستاق، فأمدّ السلطان مالك بن أبي العرب بعساكر جَمّة، فكانت الدائرة على بني لمك/كشف الغمة ،ج2، ص944، تحفة الاعيان بسيرة أهل عُمان، مرجع سابق،ص 400، عُمان عبر التاريخ، مرجع سابق،ص 168، قصص وأخبار جرت في عمان،محمد بن عامر بن راشد المعولي،تحقيق د.سعيد بن محمد الهاشمي،ط1،وزارة التراث القومي والثقافة،سلطنة عُمان،1428هـ/2007م،ص205 ،تاريخ أهل عُمان،تحقيق سعيد عبدالفتاح عاشور،ط2، 1426هـ/2005م، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان ص122)
7. (ذكر أبي بشير محمد شيبة أحد أئمة اليحمد وهو محمد بن الحسن الخروصي من أهل فسح من أودية الرستاق،من أئمة القرن الثالث الهجري ،ص 76/ويؤكد الشيخ سالم بن حمود السيابي في كتابه العنوان في تاريخ عمان بأن اليحمد هم أئمة بني خروص ، يصل نسبهم إلى خروص بن شاري بن اليحمد ، رهط الإمام جابر بن زيد المعروف بأبي الشعثاء، ص 249)
8. تأريخ قبيلة بني لمك وحضارتهم بعمان وشرق أفريقيا ، مهنا بن خلفان بن عثمان الخروصي، بحث غير منشور،1415هـ/1995،ص 2.
9. ( جهينة الأخبار في تاريخ أهل عمان،مرجع سابق،ص 155).
ماتبقى من موضوع “النَزْر اليسير من تاريخ قبيلة بني لمَك” سيتم تناوله في الجزء القادم بإذن الله تعالى – فترقبوا نشر هذا الجزء قريباً إن شاء الله .