وشرفنا حضرته
هلال بن حميد بن سيف المقبالي
يقول الراوي: . منذ قرابة السنة ونصف السنه ونحن نتابع تطورات جائحة كرونا “كوفيد19″ وانتشار المرض بين الناس، وكُنا نظن أننا بمنأى عن هذا الفيروس”كوفيد19″ بأحترازنا وحرصنا في تطبيق الاجراءات الاحترازية بكافة تفاصيلها ودقتها، وكنا نسمع بأن فلان مصاب، وجارتنا مصابة، وجارنا أصيب، والعائلة الفلانية كل أفرادها اصيبوا بهذا الفيروس، ونسمع من هم تعافوا منه بدون تدخل الرعاية الطبية ومنهن من تلقى الرعاية الطبية، و َمنهم من دخل العناية و خرج منها معافى مشافى، و منهم من خرج محمولًا بعد أن توفاه الله، وهنا نقول ” رحم الله الموتى وشافى المرضى” ، كل هذا يحدث من حولنا ونحن ولله الحمد ننعم بالصحة والعافية، وكأننا لسنا من هذا المجتمع الذى طاف عليه “كوفيد 19″ شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا إلا و وزع فيروسه على الكبير والصغير، وأكاد أجزم أنه لا توجد عائلة في”عُمان” إلا وأُصيبَ أحد أفرادها بهذا الفيروس.
لم تدم هذه الميزة بين أفراد أسرتي، فقد “شرفنا حضرته” وزارنا في عقر دارنا، بالرغم من كل الاحترازات التي نطبقها منذ بداية الجائحة، إلا أنه أبىٰ ألا يشرفنا، هذا الضيف المزعج، الذي أزعجنا وأقلقنا قدومه رغم كل الاحترازات، مؤكداً أن “الحذر لا يمنع القدر”.
“شرفنا حضرته”، وأصاب خمسة من أفراد الأسرة ولم ينجو من “أزعاجه” إلا أثنين فقط (ربما أصابهم ولكن لم تظهر عليهم أعراضه)، والغريب في الأمر أن هؤلاء الخمسة لم تتشابه بينهم أعراض المرض، ولكن في المقابل تجمعت كل الأعراض في شخص واحد وعانى منها ما عانى، وإليكم الاحداث..
بدأت الأعراض -والتي اعتقدنا أنها أعراض عادية، تحدث لتغيرات الجو جراء لأمراض موسمية- بدأت بإثنين من الأبناء أعمارهم مابين 13و16 عاماً وكانت إصابتهما بسيطة، فأحدهما أحس بارتفاع بسيط لدرجة حرارة جسمه، وبعد أخذ المسكن زال عنه كل ذلك بعد يوم واحد، أما الآخر شعر بصداع مع بعض الغثيان الخفيف، و فقد حاسة الشم، تلاشت الأعراض بعد يومين، وبعدها أصيب الابن الثالث. شعر بتعب بالجسم وزكام وكحة خفيفة وتلاشت اعراضه بعد يومين، وتلاحقت إصابته مع أصابة “أمه” (زوجتي)، فكان نصيبها أطول وأصعب من الأبناء، فقد عانت من الم المفاصل وفقدان الشهية، والقيء، وعدم القدرة على الاكل، وفقدان حاسه الشم، مما استدعى الذهاب بها للمستشفى، بعد يومين من الإصابة، وبعد فحص( PCR) اتضح أنها مصابة بفيروس كرونا “كوفيد19″، ويجب حجرها، بعد إلباسها “أسويرة التعقب”، لم أكن أتوقع أن الحالات التي مرت علينا، بسبب فيروس كورونا “كوفيد19″، كنت أعتقد أعراض مرضية موسمية عادية لتغيير الجو. هذا ما عهدناه سابقاً لمثل هذه الأعراض البسيطة وفي هذا الوقت من العام بالذات، ولكن تغير الوضع مع وجود “الفيروس كوفيد19″، فبعد الفحص تبين عكس اعتقادي وأيقنت بعدها أن “حضرت كوفيد19” وجد الثغرة التي نفذ منها إلينا.
لم تمض سوى يومين من بعد أصابة(زوجتي) إلا و بدأت أشعر بنفس الأعراض، وكأن الفيروس جاء خصيصاً إليّ وأن ما رأيته من أعراض حالات الإصابة في أبنائي وزوجتي، لأطمئن له فقط، وأن أعراضه كانت لا شيء بالنسبة لما نسمعه عنه وعن أعراضه، ولم يتركني لأخذ احتياطاتي الدفاعية، فقد زحف عليّ مباغتًا، وغزى جسمي بكامل قوتة، تماثلت زوجتي للشفاء بعد خمسة أيام من الإصابة ولله الحمد، أما أنا فبدأ الفيروس وكأنه منتقماً مني، لأني كنت أحذر أسرتي وأحثهم على أخذ الاحترازات والاحتياطات اللازمة عند الخروج وتعقيم الأيدي ولبس الكمام، وكنت أمنعهم من الخروج إلا للضرورة فقط، وربما “حضرته” لم يعجبه هذا التصرف، فصب جل غضبة عليّ، فبدأت أعراض الصداع تقسم رأسي نصفين، و بدأت الحمى الشديدة تغزو مفاصلي، وأعضائي الداخلية، وأحسست بأن جسمي أمسى بركان مشتعل لحظات وينفجر بحممه البركانية من شدة الحرارة، لولا المسكنات وخافضات الحرارة، والتي لم يدم مفعولها طويلاً، لم أستطع تحمل هذه الحرارة، وآلام الظهر والمفاصل، فذهبت للمستشفى بمساندة أحد أبنائي وأخذت أبرة مهدئة للألم و(سقاية) لخفض الحرارة، وبعض الأدوية المساعدة، رجعت إلي البيت وأنا بكل قوة ونشاط، وما هي إلا يومين وأعود لأصعب حال من ذي قبل لأعود للمستشفى مرة أخرى وكأني أدمنت على علاجه، لقد تنوعت بي الأعراض بداية من الصداع ونهاية بالقيء والإسهال ، (صداع/حمى/آلام الظهر/آلام المفاصل والأطراف /عدم الشم/إسهال/قيء/مرورة في الحلق/كحة/وضغط في الصدر) كل هذه الأعراض تناوبت علىّ خلال سبع عشرة يومًا بأكملها، حتى أنني فقدت قرابة السبعة كيلوجرامات من كتلة جسمي، ولم أسمع أو أحد يدلني عن وصفة ما إلا تناولتها، وأصبح جسمي تلك الفترة معمل تجارب، ورغم ما أحسست به من آلام طوال تلك الفترة فهي تعتبر أعراض متوسطة أو أقل من المتوسطة هذا ما أفادني به أحد الأطباء من الزملاء بعد ما اخبرته بحالتي وما عانيت من آلام، مؤكداً لي أن هناك حالات شديدة الحدة وحالات تستدعي الدخول للمستشفى، و حالات تحتاج لرعاية طبية وحالات تدخل العناية. والحالات الحرجة والتي ترهق المريض والكادر الطبي.
“كوفيد19” لم يكن ضيفًا متطفلًا كما نعتقد وندعي، بل شرفنا بكل حفاوة الترحيب، لم يأتي إلينا بدون استئذان، فقد جاء معزومًا بمعية أحد ابناء الأسرة كان مخالط لمصابين دون علم منه بذلك، وجاء به إلينا من أوسع الأبواب، فأستضفناه رغمًا عنا فأكرمنا و “أخذ منا ما يريد ورحل”.