الواعظ في بلدي
شهاب أحمد عبد
و يبدو لنا أن الواعظين في بلدي يتركون الطغاة و المترفين يفعلون ما يشاؤون، و يصبون جل اهتمامهم على الفقراء والمحتاجين، فتجدهم يبحثون عن زلاتهم، و ينغصون عليهم حياتهم، و ينذروهم بالثواب و الصبر من أجل الآخرة.
و سبب هذا على ما أعتقده راجع إلى أن الواعظين كانوا ولا يزالون يعيشون على فضلات الأغنياء و الطغاة الذين قد صنعوهم لنا، و التي كانت حياتهم متوقفة على إرضاء الحاكم و أولياء الأمر؛ و لذلك تراهم دائمًا في بلدي يغضون الطرف عما يقوم به هؤلاء من التعسف و النهب و الترف، ثم تراهم يدعون لهم فوق ذلك بطول العمر.
عندما تجد ذلك الواعظ الذي يدعو الناس باتباع المثل العليا و تطهير نفوسهم من أدران الحسد و الأنانية، و عندما تجد الواعظون يهتفون في الناس قائلين إنكم أذنبتم أمام الله فحق عليكم البلاء من عند الله. وبذلك القول يرفع مسؤولية الظالم الذي قد حل على الناس عن عاتق الظالمين الذين جعلوا الناس على هذا الحال، و يوهموهم و يضعونها على عاتق المظلومين أنفسهم، فيأخذون بالاستغفار و التوبة.
و بهذه الطريقة يستريح الطغاة الذين صنعهم الواعظين؛ فلقد أزالوا عن كواهلهم مسؤولية تلك المظالم التي قد وضعوها على رؤوس أولئك المساكين الذين قد تراهم يركضون وراء لقمة الحياة الصعبة، ثم يلاحقهم الواعظون به بعقاب الله الذي لا مرد له.
و ترى الواعظون في العراق يمجدون إلى الطغاة على ما قاموا به من شدة تجاه شعبهم.
ولقد نسي الإنسان البسيط أن الواعظون في بلده قد سرقوا الأموال التي قد نهبت من أجل أن يبذروها على ملذاتهم و ملذات أولادهم و أعوانهم .فإذا حاول فقير سرقة دينار واحدٍ فقد زجر الله عليه و زجرت ملائكته و زجرهم الواعظون أيضاً.
إن المشكلة في العراق أنك تجد الواعظ يأخذ جانب الحاكم، و يحارب المحكوم، تجده يعترف و يستعرض أعمال الحاكم، فإذا أظلم الحاكم شعبه أو رعيته و ألقى بهم في مهاوي السوء؛ قال أنه اجتهد فأخطأ، و كل إنسان يخطئ و العصمة لله وحده، أما حين يستعرض أعمال شعبنا تراه يزجر و ينذر بعقاب الله الذي لا مرد له، و ينسب إليهم سبب كل خراب البلاد.
وأن الكثير من الناس في زمننا الحالي تجدهم كما قلنا سابقًا يعتمدون على أسلوب التصفيق للظالم و البصق في وجه المظلوم.
و من المؤسف جداً أن ترى الفقير في العراق لا يستطيع أن يدافع عن نفسه؛ فهو أناني كغيره من الناس، ولكنه يتحمل وحده عبء الأنانية التي قد اتهمه بها الواعظون له دائماً.
ولقد حكم العراق على مرة التاريخ أجيالًا متعاقبة، فاعتاد سكانه بدافع المحافظة على الحياة أن يحترموا الظالم و يحتقروا المظلوم، و أخذ المثقفين في هذا البلد يصوغونهم أمثالهم العليا صياغة تلائم هذه العادة الاجتماعية اللئيمة، وأن شر الذنوب هو أن يكون الإنسان في هذا البلد ضعيفاً فقيرًا.