القصيدة الخمسينية
علي بن محمد الحامدي
1.خمسونَ عاماً طويْناها على عجَلِ
هل نركبُ الصّعبَ أم نبقى على وجَلِ؟
2.يا نفسُ جِدّي فما في العُمرِ باقيةٌ
إلا اليسيرَ من الأحلامِ والأملِ
3. والشيْبُ غطّى، عِظامُ الوهْنِ باديةٌ
يا ويْحَ غادٍ إلى الدنيا ومُرتَحِلِ
4.إن كان في العُمرِ أيامٌ لنا بقيت
فاللهُ أولى بما في العُمرِ فابتهلِ
5.دُنيا الغُرورِ فلا واللهِ ما فتِئَتْ
تُغري بفتنتِها بالقولِ والعملِ
6.فإن كستنا قليلاً رغم قسوتِها
قلنا أتى السّعدُ من زَهراءَ أو زُحَلِ
7. أو كست أطعمتنا من مرارتِها
ونطلُبُ الماءَ في بيْداءَ من وَحَلِ
8.نُشنّفُ السّمعَ والأبصار شاخصةٌ
ونطلُبُ الوصْلَ والأرواح في الأسلِ
9.ونُجهِدُ النّفسَ أن تحيا برقّتِها
لا لوْمُ لا عتَبٌ يُفضي إلى الزّعَلِ
10.لكنّ هيهاتَ والأمواج عاتيةٌ
والعصفُ يقصِفُ ذاكَ الصّخرَ في الجبلِ
11.حتى غدا وشُروخُ العُمرِ تفجؤهُ
كأنّهُ كُومةٌ صفراءُ من أزَلِ
12.خمسون عاماً فما خارتْ عزائِمُنا
عن سبقِ فضلٍ ولا زِلنا إلى الأجل
13.مُنذُ الطّفولةِ والأنفاس نحبِسُها
عندَ التعلّمِ نخشى سُرعةَ الزّللِ
14.وما فتئْنا وما زلنا نُكابدهُ
حتى المماتِ ونجني صافيَ العسلِ
15.سبقُ الريادةِ في الأعمالِ نطلبُهُ
في غيرِ وهْنٍ ولا ضعفٍ ولا خَمَلِ
16. فالمالُ من وجههِ دِرعٌ لصاحبهِ
يُغنيهِ عن ذلةٍ عن فقرِ مُبتذِلِ
17. بالعلمِ والمالِ نرقى للعلا وبذا
نصبو إلى السؤددِ العالي إلى النُزُلِ
18.طبعُ الخليقةِ أن تهفو برقّتِها
نحو الطبائعِ والأخلاقِ والمُثُلِ
19.فقد خبِرتُ صُنوفَ الناسِ دانيَهم
وقاصِيَ القومِ من جافٍ ومن هطِلِ
20. فما رأيتُ سوى الأخلاق تدفعُهُم
عن الضّغائِنِ والأحقاد فامتثِلِ
21. وقد قضيتُ سنينَ العُمرِ مُرتحِلاً
في كُلِّ وادٍ من الأفكار والنِّحَلِ
22. حتى استقرّ مُقامي لا يُنازعني
فيما ارتضيتُ وقرّ الحالُ للأجَلِ
23.فاللهُ ربّي إلهي سيدي أملي
أدعوهُ أرجوهُ بالإخباتِ والوجَلِ
24.وقد رضيتُ رسولَ اللهِ مقتديًا
في كلِّ شأن به من قولهِ الجذِلِ
25.والدينُ ديني بنو الإسلام قاطبةً
أدعوهُمُ إخوتي في اليُسرِ والجلَلِ
26.مهما اختلفتُ فما في القلب من دغَلٍ
يطغى على العقل أو يُفضي إلى الزللِ
27. فالخلقُ للخالقِ الرحمنِ باعِثَهُم
إن شاءَ يعفو عن الزّلاتِ والخطِلِ
28.أوْ شاءَ عذّبهم والنفسُ طامعةٌ
والعدلُ والعفوُ مرجُوّانِ لا تَسَلِ
29. لا يَنضُجُ العقلُ والأفكار نائِمةٌ
لا فِكرَ يُجدي مع الموهومِ والهَبِلِ
30. ما كُنْتُ يوماً لغيرِ الفِكْرِ مُحتَكمٌ
فالعقلُ مَصْفى لما يطغى من الدّجَلِ
31.أما الرّجالُ فلا أرضى أقلّدُهم
فالحكمُ للقولِ لا للقائلِ الرَّجلِ
32.إني عُنيتُ بما للنّفسِ من سَعةِ
لا عيْشَ يصفو مع الأسقام والعِلَلِ
33.فالأكلُ مُنتظِمٌ والشُّربُ مُلتَزَمٌ
والمشيُ مُحترَمٌ في العزمِ والكسَلِ
34.والنفسُ توّاقةٌ ترنو لبغيتِها
لا شيءَ أنفعُ في الدنيا من الرُّحَلِ
35.إني أُسافِرُ فالأسفار ماتعةٌ
تصفو بها النفسُ من سأمٍ ومن مللِ
36.والذكرُ للخالق الرحمنِ مأدُبَتي
أدعوهُ أسألُهُ من فيْضِهِ الهَمِلِ
37.قُرآنُ ربي رفيقي مُنتهى أملي
أتلوهُ أحفظهُ مهْلاً على مَهَلِ
38.حتى ارتويتُ بآيٍ منهُ تُسعِفُني
بالحُكْمِ والحكمةِ القعساءِ في الجدَلِ
39.والخيرُ والبِرُّ والإحسان أفعلُها
لا مِدحةً، بل يقينُ العارفِ البطَلِ
40.والعفوُ من شيمِ الأبرار أصنعُهُ
لا أحمِلُ الحِقدَ من واشٍ ولا نَغَلِ
41.إنّي لأرعى أُهيْلي زوجتي ولدي
لا أمنعُ الرّفْدَ في خصبٍ ولا قحِلِ
42.أمي الرؤومِ أبي زادي لآخرتي
يا ربُّ فامطرْهُمامن خيركَ الهمِلِ
43.والأهلُ والجارُ حتماً لا أُقاطِعُهم
فاللهُ أوصى بهم مع سائرِ الرُّسُلِ
44.إخوانُ صِدقٍ كِرامٍ قد صحبْتُهُمُ
في العُسرِ واليُسْرِ والإخصاب والمَحَلِ
45.كنّا معًا وقلوبُ الحبّ صافيةٌ
لا تشتري الغِلَّ بالأحقادِ والدّغَلِ
46. عهدُ الصّداقةِ يروي كُلّ ذابلةٍ
والدّهرُ يجري مع الإنجاز والفشلِ
47. هذي نفائسُ عُمرٍ صِغتُها حِكَمًا
إن شاءَ ربي جرتْ في النّاسِ كالمَثَلِ
48.جادت بها النفسُ من أعماقِها طلبًا
للذّكرِ والأجر والإخلاصِ في العملِ
49.خمسونَ بيتًا أتت في عدِّ ناظمِها
عدَّ السنينِ التي مرّت على عجَلِ
50. لعلّ ربي بها يعفو إذا انتفعت
بها نفوسٌ عن الزّلاتِ والخلَلِ