لا تجعلوهم نسخة منكم
أحمد بن موسى البلوشي
ما جعلني أكتب في هذا الموضوع هو موقف بعض طلبة الصف الثاني عشر من أخذ لقاح فيروس كورونا، والسبب هو تأثرهم بنظرة أهلهم السلبية حول اللقاح، فالمشكلة تكمن في أنّ بعض أولياء الأمور تكونت لديهم صورة سلبية عن اللقاح، متأثرين بالشائعات المتداولة حول خطورة اللقاح، ونقلوا هذه الصورة لأبنائهم.
ولا يختلف اثنان على أنّ معظم أولياء الأمور يرغبون ويحبون أن يكون أبناؤهم أفضل الأبناء خلقًا وعلمًا وفكرا، ولا يوجد شخص في الدنيا يمتلك صفات الكمال، فكل واحد منا به جوانب قصور، وهذه سنة الله في خلقة، فجميل أن ترى ابنك متحلٍ بصفات الصالحين ويمتلك عادات وتقاليد بلده، ولديه عقل يفكر به، ويستخدمه في حياته واتخاذ قراراته.
فدور ولي الأمر هو مساعدة ابنه في اتخاذ قرارته وتوجيهه التوجيه السليم، لا أنّ يتخذ عنه القرارات، ويتجاهل عقله الذي يفكر به، فعندما يختار ابنك مجال الهندسة للدراسة، وتفرض عليه أن يختار مجال الطب فأنت هنا تصنع منه نسخة أخرى منك، وتتجاهل عقله، ولا تسمح له بتكوين شخصيته، فالنقاش الهادف بين الطرفين سبيل للإقناع واتخاذ القرار السليم.
وقِسْ على ذلك موضوع أخذ اللقاح، فعندما يريد ابنك أخذ اللقاح، فمن غير المنطقي أن تعترض طريقه بطرح أفكارك السلبية عن اللقاح ناسفًا جهود العلم والعلماء، وكأنّك تشجعه بالتالي على تصديق كل ما يقال في وسائل التواصل الاجتماعي وبدون دليل علمي، والمشكلة الكبرى عندما تسأل بعض الأشخاص عن سبب امتناعهم عن أخذ اللقاح، فيقولون لك: ليس لدينا سبب! عجيب هذا الرد.
ومن الطبيعي أنّنا كأولياء أمور كثيرًا ما يشغل تفكيرنا الوصول إلى الطريقة المثلى والأسلوب الصحيح في تربية أولادنا، والخوف عليهم من الفشل في الحياة، كما أنّ الكثير منا ينادى بالحداثة في أساليب التربية، وربما لم تكن هذه الأساليب متوفرة في زماننا نحن سابقًا، بسبب التطور الحاصل في جميع مجريات الحياة، ولكن عندما نشاهد واقع بعض أولياء الأمور؛ نجدهم ينادون بهذا المنطق ويتجاهلونه مع أبنائهم، فليس شرطًا أو لا يجب أن يكون ابنك نسخة منك في كل شيء، فكل شخص مر بتجارب عديدة ومختلفة تعلم منها الكثير وأثرت لا شك في تكوين شخصيته، كذلك ابنك يمر وسيمر بمعارك ومواقف مختلفة عن تلك التي مررت بها، وبالتالي يكون لها دورًا في تكوين شخصيته، فلا تهدمها بأسلوبك وطريقة تربيتك له، ولا تفرض عليه أسلوبًا تراه أنت فقط أنّه صحيح، ربما هذا الأسلوب لا يتناسب معه ومع شخصيته، دعه يفكر بنفسه ووجهه، وقدم له النصح واعطه أمثلة من تجاربك في الحياة ثم قل له: “الساحة لك والخيار لك”.
وأختم مقالي بعبارة قرأتها في أحد برامج التواصل الاجتماعي، حيث يرى كاتبها أنّ: “تربية الأولاد هي أن تربي نفسك معهم، تمنع نفسك من أمور تهواها، تتوقف عن عادات سيئة مخافة أن تنتقل إليهم، تتصف بأخلاق حميدة لتكون قدوة لهم، تهدأ وتتكلم بإقناع وتتعلم الحوار، تغير طريقتك في الأكل واللبس، تعد لكل سؤال جواب.. إذا لم تغيرك تربية أولادك فأنت لا تربي!”.